كرم جبر

الأمن وحده لن يقضى على الإرهاب

الجمعة، 06 سبتمبر 2013 11:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحرب الدائرة الآن ضد الإرهاب أكثر صعوبة من الثمانينات والتسعينات، لأن مصر كان فيها دولة قوية وأمن له ذراع طويلة، وخلال عام واحد من حكم الإخوان ضاعت هيبة الدولة وضعفت قبضة الأمن، ووقعت البلاد فريسة لعصابة إجرامية مزقت نسيجها الاجتماعى المتماسك، واحتضنت العناصر الإرهابية ومنحتها الحماية السياسية والقانونية، والأكثر خطورة هو الطابور الخامس فى الداخل الذى يقدم غطاءً سياسيا يحرض على العنف سراً ويطرح مبادرات المصالحة علنا، مستقويا بالضغوط الخارجية، على أمل تدويل القضية المصرية فى المحافل الدولية والوصول بها إلى ما يشبه النموذج السورى، أو على الأقل تشويه سمعة الأجهزة الأمنية وإتهامها بارتكاب جرائم ضد المدنيين، لفرض حظر دولى على الأسلحة والمعدات الحديثة التى تستخدمها الشرطة فى الحرب ضد الإرهاب.

الحرب ضد الإرهاب لا يجب أن تعطل خارطة المستقبل لأن ذلك فى مصلحة الإرهاب والإرهابيين، وأن يتم الانتهاء من الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية وفق جدولها الزمنى، لإعطاء رسالة للعالم بأن الدولة المصرية بدأت تستعيد عافيتها وقوتها، وأنها لن تجعل معركتها المصيرية مع الإرهاب بديلا للإصلاحات السياسية والديمقراطية، بل يسيران بالتوازى تحت مظلة سيادة القانون وإحترام حقوق الإنسان والمحاكمات العادلة، وأن يتم تصييق الإجراءات الاستثنائية فى أضيق الحدود، وأن يقتصر قانون الطوارئ على الجرائم الإرهابية فقط، وفق الضوابط والإجراءات التى أقرتها المعاهدات والمواثيق الدولية، وأؤكد آن مصر يمكن أن تحارب الإرهاب وتستأصلة من جذوره بالقوانين العادية وليس الطوارئ، ولها تجربة طويلة وناجحة فى الحرب ضد الإرهاب، تفيدها كمخزون إستراتيجى فى المواجهة الحالية.

الحرب الطويلة ضد الإرهاب تبدأ بالدستور وأن يحظر حظراً باتاً قيام الأحزاب الدينية أو على مرجعية دينية فكفى لعبا بالألفاظ، وأن يتم إعداد قانون إنتخابات يتضمن نصوصاً رادعة وحاسمة، تجرم استخدام الدين فى الممارسة السياسية، وكفى ممالأة ونفاقا ومحاولة إسترضاء فصيل دينى مثل حزب النور السلفى على حساب مصلحة الوطن، لأنه لن يكون يوما فى صف الدولة المدنية، وكان عدد كبير من أعضائه هم الزحم الإستراتيجى فى اعتصامى رابعة والنهضة، وظلت تصريحات قادتهم تتلون حسب موازين القوى على أرض الواقع، ومارسوا لعبة توزيع الأدوار خوفا من أن يعود الإخوان ويطردوهم من جنة السياسة التى وضعتهم فى بؤرة الأضواء والنفوذ، وبالتالى يجب أن يرتفع الدستور فوق شبهات مجاملة هذا التيار السلفى على حساب أمن الوطن واستقراره.

واستئصال ورم الإرهاب الخبيث يتطلب سرعة تدعيم جهاز الشرطة وعودة جهاز مباحث أمن الدولة باسمه وضباطه وكوادره، وبشرط أن توضع الضوابط الصارمة ليتحلى بأقصى درجات الالتزام بالقانون، وأن يغتسل من الجرائم والسمعة السيئة التى لحقت به، وأن تنتهى من قاموسه كلمة التعذيب واستخدام أساليب مجرمة قانونا فى التعامل مع المتهمين، حتى يجد دعما ومساندة من الجماهى التى لن تقبل أبداً العودة إلى الممارسات القديمة، التى كانت سبباً رئيسياً فى اندلاع ثورة 25 يناير، وأن يتزامن مع ذلك إعادة ترميم أقسام الشرطة التى تعرضت للحرق والسرقة، وضبط الجناة وتقديمهم للمحاكمة حتى يكونوا عبرة لغيرهم.

استكمال عملية تطهير الدولة من بقايا الأخونة تقطع الحبل السرى الذى يقذف المجتمع بعصارة التطرف، فلا يصح أن تبقى مثل هذه العقول المحشوة بأفكار أخطر من المولوتوف، متغلغلة فى كيان الجهاز الإدارى للدولة خصوصا المرافق الحيوية مثل التعليم والامن والصحة والحكم المحلى والشباب، بعد أن أثبتت الأحداث الأخيرة أن هذه الجهات شاركت فى الجرائم الإرهابية أو صمتت عليها، مثل مدرسة كرداسة التى كانت مخزناً للسلاح الذى إستخدمه الإرهابيين فى إقتحام قسم الشرطة وقتل الضباط والجنود، ومثل تخصيص ميزانية وزارة الشباب لتدريب وتعبئة وحشد العناصر الإخوانية على يد وزير الشباب الإخوانى أسامة ياسين، وعشرات الأمثلة الأخرى التى تكشف إختراق الإخوان لأجهزة الدولة وتحويلها لخدمة العنف والإرهاب.

الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف عليهما عبء كبير فى تغيير الخطاب الدينى وإستعادة المساجد من وعاظ الإخوان وشيوخهم، الذين لعبوا دورا رئيسيا فى تخريب عقل الناس وإثارة الفن لصالح المظاهرات والاعتصامات وأعمال العنف، ووظفوا منابرهم لصالح الإخوان عبر خطاب دينى لا يمت للإسلام بصله ولكن يخدم أغراضهم وأطماعهم فى الحكم، والمهمة الثقيلة محاصرة شيوخ الجهل الذى عكروا صفو الحياة خلال حكم الإخوان، واستعادة الخطاب الدينى الوسطى وتعاليم الإسلام السمحة، وكشف جرائم عصابة الإخوان الإجرامية التى ألحقت بالإسلام أبلغ الضرر وبالمسلمين كل الأذى.

خلاصة القول أن الأمن وحدة لن ينجح فى القضاء على الإرهاب، بل يجب رسم خارطة طريق واضحة المعالم والتكليفات، وأن يشارك فيها المجتمع المدنى ومراكز البحوث والدراسات وأساتذة القانون وأهل الرأى والفكر، ليشعر الجميع أن لهم دوراً فى الدفاع عن وطنهم وأن الحرب ضد الإرهاب معركة الوطن كله وليس أجهزة الأمن فقط.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة