أينما تحل، يطاردك سؤال، هل سيستمر الإرهاب على طريقة المحاولة الفاشلة لاغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم؟ هل سنجد محاولات اغتيال لشخصيات سياسية؟ هل سيكثر عدد الإرهابيين؟ ما الهدف الذى يسعى الإرهابيون إلى تحقيقه بعملياتهم التى تحصد أرواح أبرياء؟.
الأسئلة السابقة تعيدك إلى أجواء عاشتها مصر فى نهاية سبعينيات القرن الماضى وحتى النصف الثانى من التسعينيات، غير أن البيئة الحالية تختلف عن السنوات الماضية، وهو ما يعد جوهر الإجابة على الأسئلة السابقة.
يجد الإرهاب حضانته فى بيئة محكومة بعوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية، فحين يتضافر الجهل مع الفقر مع الاستبداد فأنت تتحدث عن ظروف تهيئ اعتناق الأفكار المتطرفة التى تقود إلى الإرهاب، ولعل قراءة تجربة الإرهاب الذى اشتد عوده بدءاً من نهاية السبعينيات وطوال الثمانينيات حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضى دليل على ذلك، حيث كانت الأماكن أشد فقراً هى الأكثر مدداً للإرهاب وأكثر تفريخا للإرهابيين، ففى محافظات الصعيد وخصوصاً فى أسيوط والمنيا، كانت الجماعة الإسلامية تمارس هيمنتها، وتدخل فى نزال مع الدولة، وأدى ذلك إلى مئات من القتلى من البسطاء فى عمليات إرهابية، وكان مجرد الاشتباه فى شخص بأن له علاقة مع الأمن كفيل بأن يضعه على قائمة الاغتيالات.
كانت الدولة بمفهوم دورها فى الرعاية الاجتماعية الواجبة غائبة، وكان ذلك جواز المرور للتنظيمات المتأسلمة، حيث قامت بهذا الدور، وتواجدت فى جمعيات ومستوصفات ودور عبادة، مما ساهم فى فرض هيمنة لهذه التنظيمات المحمية بالسلاح كوسيلة ترهيب لم يخالفهم، وتاجرت هذه التنظيمات بمسألة الشريعة الإسلامية التى كانت تدغدغ أحلام البسطاء الذين ظلوا خارج اهتمام الدولة فى وقت كانت تعمل فيه لصالح قلة تكتنز الأموال فى البنوك، وأدى ذلك إلى هروب المنسيين فى الدنيا إلى اللحاق بركب من يتاجرون بالشريعة والدين أملاً فى الفوز بجائزة الآخرة، ولعل نموذج الشيخ جابر الذى كان «طبالاً» ثم تحول إلى شيخ ليصبح حاكما بأمره فى إمبابة.
تلك الإطلالة السريعة تقودنا إلى أن الإرهاب يجد فرصته فى بيئة الفقر والتخلف، وغياب دور الدولة التى فهم النظام السابق أن اتباع سياسة الاقتصاد الحر يعنى الانسحاب كلية للدولة من الحياة، وترك مقدرات الناس تحت هيمنة قلة تمتلك الثروة، وتلك سياسة هابطة ثار عليها المصريون فى 25 يناير، ويعنى ذلك أن على الدولة أن تعود مرة أخرى قوية فى تقديم العلاج الجذرى لمشكلة الفقر، وذلك باتباع سياسة عدالة اجتماعية حقيقية عبر توزيع عادل للثروة.
غير أن ذلك لابد أن يكون مسنوداً بحياة ديمقراطية سليمة توفر إمكانية تداول السلطة، وتؤكد على سيادة دولة القانون الذى لا يفرق بين المصريين على أساس الدين فالكل سواسية أمامه، يدخل فى ذلك أيضاً ضرورة أن يكون هناك مشروع وطني جامع للمصريين يشعر معه كل مصرى بأن الغد يحمل الخير لأبنائه، وتأسيساً على كل ذلك سنجد علاجاً قد يكون طويل الأمد لعلاج مشكلة الإرهاب، فعلاجه لا يتم أمنياً وفقط، فأمن المواطن يتحقق بالديمقراطية الصحيحة، والعدالة الاجتماعية السليمة، فلا يمكن أن نكتفى بتجريم الإرهاب ونترك الشباب الذى يتخرج من الجامعة والمدارس المتوسطة بلا عمل، فعمر الإرهاب قصير فى دولة تضمن حقوق المواطن السياسية والاجتماعية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة