دولة ليست الأكبر حجماً جغرافياً وليست الأغنى مالاً اقتصادياً ولكنها سبحان الله تحمل عبقرية المكان والزمان كما قال عنها جمال حمدان، ولكن بعيداً عن حديث الكتب والدراسات المتخصصة دعونا نتحدث بلغة أهلها الطيبين وبحسهم الفطرى وبحقيقة تثبتها حوادث التاريخ كثيراً، اللى ييجى على مصر مابيكسبش عبارة سمعتها مئات بل آلاف المرات خلال الأعوام الأخيرة من سائقى تاكسى وبائعى خضراوات وسريحة فى شوارع عاصمتها وفلاحين فى القرى البعيدة والقريبة حيثما ذهبت، وحين كنت أسمع تلك العبارة كنت أقول «والنبى يا مصر أهلك طيبين لكن مش كده قوى ياما جه ناس على مصر وكسبوا» هكذا ببساطة كنت أهدم نظرية الناس الطيبين متصورة أنى الأعمق فكراً والأكثر دراية وثقافة وأن مصير الأمم لا تحلله عبارات الناس الطيبين.
ولكن مرت على السنوات الثلاث الماضية كأنها دهر تعلمت منه كما تعلم منه الناس الطيبون فى بلادى فصرت أقول قولهم الذى لمسته بأم عينى «إن اللى ييجى على مصر مايكسبش» بل أصبح لدى ما يؤكد ذلك من حوادث آنية وأخرى تاريخية، «وسبنا من الإخوان وحالهم واللى بيجرى فيهم وحيجرى ليهم فى كل العالم» بعد أن ظلموا مصر وأهلها وتصوروا أنهم المكلفون من السماء بالسلطة والسلطان وأنهم أسياد البلد كما قال بعضهم حين كانوا فى سدة الحكم، الإخوان مثال آنى قد يتصور البعض أنى أضعه فى الصدارة لأهميتهم ولكن هو فى الصدارة لأنه المثل الحى الذى يلمسه القاصى والدانى ولكن لنغوص فى التاريخ لنرى جحافل الهكسوس التى قهرت العالم بقوتها وعددها وعتادها ولكنهم حين أتوا على مصر مكسبوش بل خسروا واندحرت قواتهم، خسر الهكسوس وبقيت مصر، ثم لنقترب أكثر بالتاريخ فنرى جحافل المغول والتتار الذين سحقوا جيوش العالم وهدموا الأخضر واليابس فى طريقهم ثم أتوا يريدون مصر التى مات ملكها وملكتها شجرة الدر ولم يبقى إلا مجموعات من مماليكهم ورغم ذلك كانت نهايتهم فى الطريق إلى مصر ولم يعد يسمع منهم ولا عنهم العالم، خسر المغول والتتار وبقيت مصر، ثم ها هو التاريخ يحدثنا عن نابليون العظيم الرجل الذى قهر العالم وحضر لمصر كى يقهرها هى الأخرى مأخوذاً بتاريخها نابليون مكسبش يا عينى من يوم ما دخل مصر وحاله كان فى النازل خسر نابليون ورجاله وبقيت مصر، جاء الإنجليز لمصر وقبعوا فيها وطال بقاؤهم وكانوا الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس وحاولوا قدر ما حاولوا أنهم يجيوا على مصر ولكنهم وهم يظلمونها غابت شمسهم وانهزمت جيوشهم وخرجوا منها وماكسبوش وبقيت مصر، وقد يقول قائل «الست دى بتهذى أى كلام لكن فكر وعد أحداث التاريخ ولدى مئات أخرى من أمثلة منه تؤكد كلام الناس الطيبين أن اللى ييجى على مصر مايكسبش.
نقطة نظام من سائق تاكسى: بعيداً عن اللى يكسب ومايكسبش وبنفس حس الناس الطيبين كنت أستقل تاكسى وكالعادة وجدت سائقه يستمع للإذاعة وبعد دقائق توقف الغناء الذى كان يصدع من أحد القنوات وجاء صوت المذيع ليعلن برنامج يقدمه أحد مذيعى التوك شو التلفزيونى الليلى فانتفض السائق وحول المحطة سريعاً وراح يبحث عن أغنية أخرى فقلت له هل تعبت من الكلام فى السياسة والمشاكل التى نواجهها قال لا أنا عايش فيها لكن تعبت أنى أسمع صوت وكلام واحد واتنين وثلاثة طول النهار وبعدين أروح ألاقيهم فى خلقتى صوت وصورة على التليفزيون ثم أضاف السائق يا مدام أنا مش قصدى أقر ولا حاجة أنا بس بسأل هو ماحدش فى البلد بيعرف يتكلم غيرهم وبعدين أنا مواطن يمكن بحب أسمع فلان ورأيه لكن كترة الكلام تقل محاسنه؟! لم أستطع أن أرد فقد لخص الرجل كل حالة الإعلام فى جملة من حِكَم الشعب المصرى حين قال كتر الكلام يقل محاسنه وما أكثر الكلام فاحذوا أيها الزملاء من قلة المحاسن وزيادة المساوئ.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة