السياسة تمثيل، وبالطبع هناك أوجه كثيرة للشبه والاختلاف بين السياسة وفنون التمثيل، وبين الفنان والممثل، مع العلم أن الممثل يفعل ما يفعله باتفاق واضح من مشاهديه، بينما السياسى يخدع جمهوره فى كثير من الأحيان.
أما مناسبة هذا الكلام فهو الجدل الدائر حول إعادة اكتشاف وتقييم زعامات سياسية وثورية، اكتشف الجمهور أنهم كانوا يمثلون أو يتقمصون دور الرجل الطيب، بينما هم يبيعون له الكذب ويمارسون النصب السياسى، لكن السؤال الأهم هل يفضل بعض جمهور السياسة السياسى الممثل عن الطبيعى؟.
نعم .. ومازلنا نرى من بين جمهور السياسة من يدافع عن النصابين والدجالين السياسيين، ولسان حالهم يقول: «اخدعنى من فضلك»، وقد نمت وترعرعت على شاطئ الثورة الكثير من الحشائش السامة، والزعامات الوهمية التى صدرت الوجه الثورى، لتخفى وجها انتهازيا، كانت تلعب سياسة، وتدعى أنها تحمل أهداف الثورة، ولما انكشف بعضهم، كان هناك من الجمهور من يرفض التصديق ويصرخ: «سيما أونطة هاتوا فلوسنا»، دفاعا عن نجمه المفضل.
وبالعودة للقضية الأساسية فالممثل يكون ناجحا كلما استطاع أن يقنع المشاهدين بدوره فى الفيلم أو المسرحية أو أمام الميكرفون، وهذا باتفاق بين الممثل والمشاهد، ولا يمكن للمشاهد أن يتهم الفنان بأنه خدعه، بل العكس، كلما نجح الفنان فى إخفاء شخصيته، بحيث يكون لصا أو قاتلا أو فاسدا مقنعا يحصل على رضا الجمهور.
أما السياسى فهو يحتاج فى كثير من الأحيان لتقمص دور يخفى شخصيته الحقيقية، فقد يكون فى الواقع لصا أو فاسدا أو قاتلا أو نصابا، لكنه يقدم فى الحياة دور الرجل الطيب الشجاع الشريف العفيف، وكلما كان السياسى بارعا كان أكثر إقناعا، وهنا يتفق السياسى مع الممثل فى أنه كلما نجح فى التقمص كان أكثر جاذبية وإثارة.
لكن الفنان والمشاهد كليهما يعرف أن الأمر اتفاق مسبق، بينما السياسى لا يقول هذا، وقد يستمر شهورا أو سنوات وهو يمثل دوره من دون أن يكتشف الجمهور ذلك، فرق آخر.. الفنان يقدم للمشاهد المتعة والتشويق والإثارة، باتفاق، بينما السياسى كلما كان كاذبا كان ناجحا.
السياسى يمثل على خيط رفيع، مثل لاعب السيرك أو الترابيز، إذا زلت قدمه وسقط تنكسر رقبته. والسقوط هنا بمعنى الانكشاف، فالجمهور كثيرا ما يظل يصدق التمثيل السياسى، طالما كان مقنعا، لكنه ما أن يكتشف اللعب حتى ينصرف عن أبطاله، لكن يبقى من بين الجمهور من يرفض التصديق ويدافع عن زعيم نصاب.