عاش حياة الصعلكة، وقد ظل يعانى من عدم الاستقرار فى كل شىء حتى فى سكنه، وكان كاتبا كبيرا وشاعرا مغامرا ومناضلا حقيقيا يعرفه أصدقاؤه ومحبوه باسم «القديس»، أشهر من تصعلك فى مصر من الكبار سائرا على درب أقرانه من الشعراء الكبار «الصعاليك»، صوتا فرديا، ثائرا، كاشفا عن تمرده وثورته وانقلابه على تقاليد وأعراف القبيلة، مرتحلا دائما ومحتكما إلى سيفه وشجاعته تاركا عياله وديار أهله وعشيرته وامتيازاته الطبقية خلف ظهره، رافعا شعار الصعاليك الخالد: «خاطر بنفسك كى تصيب غنيمة / إن القعود مع العيال قبيح»، كتب الخميسى الشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرحية والموسيقى وعمل بالصحافة وكون فرقة مسرحية وألف وأخرج لها المسرحيات وأخرج أفلام السينما وقدم نجوما مثل «سعاد حسنى» ومهد الطريق لكتاب أصبحوا كبارا بعد ذلك مثل «يوسف إدريس»، وقام بتعريب الأوبريتات وكتابتها، فقدم أولا «الأرملة الطروب» عام 1961 التى وضع موسيقاها الموسيقار المجرى «فرانز ليهار»، وتمكن الخميسى مع الالتزام بالترجمة الشعرية الدقيقة للنص الأصلى من اختيار وضبط الكلمات العربية شعرا على مقياس الوحدات الموسيقية والألحان الأصلية التى وضعها «فرانز ليهار»، وقدم تجربة ثانية مماثلة من تعريبه أيضا أوبريت «حياة فنان» وتأليف الموسيقار الإنجليزى «إيفون نوفيللو»، وكان اسمها الأصلى «السنوات المرحة» وتم عرضها بدار الأوبرا فى مطلع شهر ديسمبر عام 1970، وكلفت وزارة الثقافة المخرج النمساوى «تونى نيسنر» الذى أخرج من قبل «الأرملة الطروب» بإخراجها، وقدم للمسرح الغنائى من تأليفه أوبريت «مهر العروسة» عن تأميم قناة السويس وكتب أوبريت «عيد الحبايب»، قابلته لأول مرة فى حياتى فى بغداد، عندما كان رئيس العراق هو «أحمد حسن البكر» وكان نائبه «صدام حسين» هو الذى يسيطر فعليا على الحكم، وكنت أعمل محررا فى جريدة الجمهورية العراقية، وكانت بغداد تتطلع آنذاك لأن تكون مركز المعارضة العربية لنظام أنور السادات، حيث اجتذبت عددا كبيرا من المثقفين الذين خرجوا تباعا من مصر، لكن «القديس الصعلوك» سرعان ما وقع فى خلاف مع النظام العراقى، وتفاقمت الأمور حين لم يجد مانعا يمنعه من أن يبيع سيارة أمريكية فارهة كان الرئيس صدام حسين قد أهداها له شخصيا، جهز «القديس» نفسه للسفر فى سرية بالغة، وبعد أن أصبح على وشك الرحيل أمسك بالتليفون - قبل نصف الساعة الأخيرة على إقلاع الطائرة - وأدار القرص طالبًا رقم الهاتف المباشر لوزير الإعلام «طارق عزيز»، وكانت «عائشة» ابنة الخميسى فى ذهول وهى تسمع أباها يكيل لوزير الإعلام مختلف ألوان الشتائم بصوته الهادر، ويصب لعناته على النظام العراقى، ولم يجد النظام العراقى فرصة للانتقام منه إلا فى ابنته «عائشة» التى اعتقلت لمدة شهرين كاملين قضتهما فى الحجز مع المتهمات جنائيا، ورحل إلى موسكو عاصمة الاتحاد السوفيتى آنذاك، وقد عاش فى البداية فى شقة صغيرة وعمل بدار التقدم السوفيتية التى كانت تترجم عيون الأدب الروسى إلى العربية، وقد منح الخميسى وسام لينين للسلام عام 1981، وأقيم حفل كبير فى موسكو بهذه المناسبة، ثم تكرر الاحتفال به عربيًا فى بيروت، وألقى ياسر عرفات فى الحفل العربى كلمة أشاد فيها بدور الخميسى، كنت أنا قد رحلت عن بغداد إلى بيروت، فكان يتردد كثيرا على بيروت فى ضيافة الزعيم الراحل «ياسر عرفات، وكان دائما يحمل معه «عرق بسطرمة» و«إصبع سجق» لأنه كان لا يريد أن يأكل لقمة واحدة على نفقة أى أحد، إلا ما يكسبه هو بمجهوده، وعمله.