فى كتابه «كراسة التحرير - حكايات وأمكنة» يأتى الكاتب والروائى مكاوى سعيد بحكايات عن الوجوه التى ظلت فى ميدان التحرير 18 يوماً، هى العمر الحقيقى للنقاء الثورى للذين كانوا يذهبون إلى الميدان من أبناء مصر، بعيداً عن حسابات تجريها القوى السياسية.
فى «الميدان» كان المتواجدون يجتمعون على قلب رجل واحد فى مطلبهم للتغيير، وكان الحدث يقهر نوازع الشر لدى أى شخص، ويدفعه إلى إظهار أفضل ما فيه، مما يضفى على المكان بهاء وجلالاً.
فى «كراسة التحرير» تقرأ عن نموذج من هؤلاء الذين يعيشون فى الشارع، ينكرهم المجتمع فينكروه، وفى الميدان ظهر منهم الجانب الخفى الحميد الذى نعجز فى ظروفنا العادية عن معرفته، تتأسى عليهم حين تقرأ قصة «صابرين» طفلة الشوارع، وتتساءل: «ماذا فعلنا لهؤلاء؟»، هو نفس السؤال الذى حرضنا عليه مكاوى سعيد قبل ثورة 25 يناير فى روايته الرائعة «تغريدة البجعة».
«صابرين» كما يعرفها «مكاوى» فى كتابه هى فتاة ضامرة لا يتجاوز عمرها الرابعة عشرة، أدماها السير حافية فى دروب وسط البلد وشوارعها وأزقتها»، فى بدء الزحف على الميدان تهيأت الفرصة لها لسرقة «مانيكان» لطفلة من محل ملابس كبير تم تحطيمه، ولما همت بحملها والفرار بعيداً، عاودها التفكير فخافت من أن تجلب لها شرور أطفال الشوارع، فربتت عليها ثم تركتها لتعود إلى الميدان، فرأت على أرضه دماء من أثر معركة مع الشرطة، وحوله ثوار وثائرات، ربتت صابرين على كتف فتاة عيناها دامعتان وسألتها: «أغسل الدم بالميه يا أبلة»، فأمسكت بيد صابرين وقادتها برفق بعيداً قائلة لها: «هذه الدماء مقدسة ويجب تركها حتى يعرف العالم ما الذى فعله بنا هؤلاء الوحوش».
ارتبطت «صابرين» بشلة من الثائرات، أكلت معهن وظلت بقربهن، ولم تفارقهن، حضرت معهن كل المعارك القاسية والدامية، وبكت على جروحهن وحسدتهن عليها، وفى أحيان كثيرة كانت تفكر وهى بعيدة عمن يعرفها منهن بأن تجرح نفسها كى تصير مثلهن، لكنها كانت تتراجع.
اشترت صابرين موقداً صغيراً وهيأت عدة لبيع الشاى فى أكواب من البلاستيك، لم تكن تطلب مالا، وكانت تقبل ما يلقى أمامها من نقود، وفى الأحداث الكبيرة تجمع الأحجار وتناولها للمتظاهرين، وأحيانا تلقيها بيدها الصغيرة فتقع فى منتصف المسافة، كلما سمعت باحتياج شخص لحاجة من خارج الميدان كانت تسرع ملبية الطلب ولا تأخذ مالا نظير خدمتها إلا بإلحاح.
أحبت الاستماع إلى حكايات البنات عن الثورة وميولهن السياسية، رغم عدم وعيها بمعظم ما يقال، تنام على أطراف الخيمة، تناديها هند أو لميس للنوم بجوارهن، وعندما يدركهن النوم تأسى لنفسها ثم تنام ووجهها تجاههما.
أعلن مبارك تنحيه، فعم الميدان فرحة غامرة، حملتاها هند ولميس من على الأرض، وانهالتا عليها تقبيلا، بكت على صدرهما، أنزلتها هند لتسألها: «انتى مش مبسوطة يا صابرين، خلاص مشى الرئيس»، فردت: «متضايقة عشان مش هاشوفكم تانى، فقبلاها قائلين : «طبعاً حنجيلك ونطمن عليكى خلاص إحنا بقينا أصحاب، فقالت: حتيجوا بس مش هتشوفونى.. زى زمان لما كنت باعدى عليكم وأكلمكم ولا تشوفونيش».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
صقر قريش
وفي النهايه جه تعلب الاخوان للانقضاض علي التحرير والتحدث باسم الثوره للاهل والعشيره
بعديها السيسي سجنه هو واهله وعشيرته
عدد الردود 0
بواسطة:
أم أيمن
نسب تصويت المغتربين على دستور 2013 أكبر من نسب التصويت على دستور الخرفان الليلى
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
فعلا صابرين بالامل فى الغد ونتمنى ان يكون مرسى اخر المعزولين
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود الحضري
أين صابرين الآن؟