السؤال الوارد فى عنوان المقال ليس على سبيل الاستنكار وإنما أردت من خلاله أن أتناول قضية غاية فى الحساسية، فبعض الذين يروجون لمقاطعة الاستفتاء على الدستور من الإخوان ومن لف لفيفهم يستخدمون هذا السؤال فى صيغته الاستنكارية ليمرروا من خلال الاستنكار فكرة المقاطعة، ولأنهم يعلمون تماما أن شعبية الإخوان أصبحت هى والعدم سواء، وأن الدستور الذى بين أيدينا الآن أفضل بكثير من دستور الإخوان، فيلجأون لجر شباب مصر إلى رفض الاستفتاء تحت زعم أن كوادر الحزب الوطنى المنحل تروج له، وهو الأمر الذى يدل على خلل كبير فى منطق أعوان الإرهاب، فلا يعيب الشىء أن بعضا ممن يروجون له ليسوا أهل ثقة أو أمانة، فبعض أعضاء المنحل يروجون للسياحة فهل يعنى هذا أن السياحة خطر على مصر؟ وبعض أعضاء المنحل يريدون «الأمن والأمان» فهل يعنى هذا أن «الأمن والأمان» رجس من عمل الشيطان؟
أعلم تمام العلم أن هذا الدستور أو بالأصح هذه الوثيقة الدستورية لم تستجب لأحلام الكثيرين، كما أعلم أن بها بعض الإشكاليات التى كنا نأمل فى حلها، لكنى أدرك أيضا أن اللحظة التى كتب فيها الدستور أملت علينا بعض شروطها، وأن الحكم على هذه الوثيقة يجب ألا يكون بالقياس على أحلامنا وطموحاتنا الكبرى، بل يجب أن يتم فى ضوء المقارنة بينها ودستور الإخوان المشوه، وفى الحقيقة فإنه على أقل التقديرات فإن الوثيقة الدستورية أفضل ألف مرة من دستور الإخوان المعطل من جوانب كثيرة أهمها جانب الحريات العامة والبحث العلمى والعدالة الاجتماعية والتعليم والصحة، وهى القضايا الأساسية التى يجب أن نحكم على الوثيقة الدستورية من خلالها، ولهذا أشعر كثيرا بأن مهاجمى الدستور ومروجى الدعوة للمقاطعة يتبعون مبدأ «ملقوش فى الدستور عيب قالوا ده بيروج له الحزب الوطنى».
على من يريد أن يذهب إلى التصويت أو من لم يحسم أمره بعد أن يمسك بيد دستور الإخوان 2012 وباليد الأخرى الوثيقة الدستورية 2013، ليقارن بينهما ويرى بعينيه الفارق وأن هناك فرقا كبيرا بين «مواد الإخوان» و«مواد الثورة» وليلمس بيده مواطن تميز الوثيقة الدستورية الذى سنستفتى عليها غدا، وذلك دون أن يشغل بالنا من يروج لهذا الدستور أو من يروج لمقاطعته، فلا يعيب الدستور أبدا أن بعض أعضاء الحزب الوطنى يروجون له أو أن بعض الفاسدين يتمسحون فيه، وفى الحقيقة فإننى أرى استعلاء غير مبرر من البعض على هذه الوثيقة الدستورية التى أعلم تمام العلم أنها ستنول غالبية غالبة من رضا المصريين، لكن للأسف يحلو للبعض أن يرفض الشىء لرفضه الذين يحبونه أو يروجون له، تماما كما يعزف بعضنا عن سماع الأغانى الشعبية اعتقادا منهم أن سامعى هذه الأغانى من فئة أدنى، أو كما يعزف البعض عن سماع القرآن الكريم مجودا لأن أصحاب محلات عصير القصب يسمعونه ليل نهار.