إقرار واقع:
سلفى أو إخوانى أو ليبرالى أو علمانى أو يسارى أو زبون كباريهات أو عابر سبيل، أو حتى منتمٍ إلى فئة «اللى مالهموش فيها»، ستجد نفسك مضطرا للاعتراف بأن الرقص الشرقى ليس مجرد فن له طعمه الخاص فى مصر دون عن بلدان العالم، بل أسلوب حياة حصريا لأبناء المحروسة فقط.
الرقص الشرقى بكل ما يتضمنه من ألاعيب هز وسط، وانحناءات جسدية تميل بتوازن وتوالٍ فى كل الاتجاهات و«رعشة» كلما زادت كلما منحت صاحبتها شهرة أكثر فن مصرى خالص يمكنك الاستمتاع به إن شاهدت نجماته وهن يتمايلن فوق المسارح أو قاعات الأفراح، بنفس مقدار استمتاعك وأنت تشاهد نجومه وهم يتمايلون فوق منصات السياسة أو داخل قاعات السلطة.
لا فرق بين رقصهن أو رقصهم، التعريفات الشعبية تقول بذلك.. تقول إنه لا فرق بين راقصة تهز وسطها فوق المسارح بحثاً عن «النقطة»، وراقصون تتمايل كلماتهم، وترتعش تعبيراتهم فوق المنصات وداخل الاستديوهات بحثاً عن رضا الكبار أو تطوعا لتلميع وجوهم طمعا فى «نقطة» قادمة.
(1)
الأزمة ليست فى الرقص على الإطلاق، الرقص كما قلنا فن يكره المتشدد مشاهدته علانية ولكنه يستمتع به منزليا، ويراه البعض الآخر تأكيدا على حرية المرأة، بينما ينظر له آخرون وكأنه مهنة نسائية كادحة مثلها مثل باقى المهن، وقبل هذا وذاك وهؤلاء تراه بعض العيون بأنه الوسيلة الأسرع للوصول إلى القمة، بينما العيون الأخرى ترى أن الرقص على المصريين حق لن تمنعه قوانين، ولن تحرمه نصائح، ولذا تجتهد تلك العيون فى التفرقة ما بين المبتذل منه وما بين الفن الحقيقى، التفرقة ما بين ما قدمته سامية جمال من عشرات السنين، وما تقدمه راقصات السبكى وصوفينار وقنوات التت حاليا.
البعض يربط ذلك بالزمن، يقول إن الرقص فى زمن الأبيض والأسود كان فى جوهره عملا فنيا لأن طبيعة الزمن نفسه كانت تقدر الفن، بينما الرقص فى زمن العشوائيات أصبح وسيلة رخيصة ومبتذلة لأن الزمن نفسه أصبح رخيصا ومبتذلا.
البعض الآخر يشير إلى حالة الترابط بين رقصهن فى قاعات الحظ والفرفشة ورقصهم فى قاعات السلطة والسياسية، بشكل أكثر وضوحا يقول إن زمن الراقصات الجميل، أفرز زمناً أجمل من الرقص السياسى، بينما زمن راقصات «التت والدلوعة» أفرز سياسيين على نفس المستوى.. وبشكل أدق يقول إن النفاق والتلاعب السياسى مثلهما مثل هز الوسط والرعشة جزء أصيل من الحياة المصرية، البعض يؤديها بشكل محترف، والبعض الآخر يبتذل نفسه من أجل وصول أسرع وللوصول إلى معنى أكثر دقة من كل ما سبق، يمكنك أن تقارن بين أداء تحية كاريوكا وبين ابتذال سما المصرى، وبين أداء فؤاد سراج الدين وأداء سيد البدوى، وبين أداء الشيخ الغزالى وأداء عبدالرحمن عبدالبر، وبين أداء كمال الشاذلى وأداء وزراء حكومة الببلاوى.. هل اتضحت الرؤيا؟!
(2)
يقول الشاعر:
يهوى الثناء مبرز ومقصر.. حب الثناء طبيعة الإنسان
وفى حديث المقداد رضى الله عنه، أن رجلاً جعل يمدح عثمان رضى الله عنه، فعمد المقداد، فجثا على ركبتيه، فجعل يحثو فى وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم المداحين فاحثوا فى وجوههم التراب». والمقصود بذلك أن يعمل الممدوح أو السلطان على أن يجعل المنافق لا يجنى من حصاد مديحه سوى الخيبة والحرمان، بينما قال آخرون إن المقصود هو أن يأخذ السلطان أو الحاكم التراب بيده وينثره فى وجه المنافق، بينما القول الثالث فى شرح الحديث يقول إنه على السلطان أو الحاكم أو الممدوح، أن يأخذ التراب بين يديه حتى يتذكر أن مصيره إلى التراب فلا يطغى عليه نفاق المنافقين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة