تفائلوا فنتائج التصويت على الدستور تؤكد أن الجماعة الإرهابية فقدت الأرضية التى تقف عليها، وأن الخداع الدينى مصيره إلى زوال، وأن مستقبل مصر أمامها وليس وراءها، وأن المصريين اكتشفوا بأنفسهم المصير المظلم لبلدهم إذا استمر حكم الإخوان، فاستردوا وطنهم وكتبوا له ميلاداً جديداً، وأن معركة الدستور هى بداية معارك أخرى أشد عنفا وضراوة، ليس فقط على صعيد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولكن لما هو أهم وأخطر: استعادة الأمن والاستقرار، ومحاربة الفقر والغلاء، وتوفير فرص عمل للعاطلين، فليس بالدستور ولا الرئيس ولا البرلمان يعيش الشعب، ولكن بالخبز والحرية.
مشاكل مصر أصبحت مثل الأوانى المستطرقة، فالأمن يؤثر فى الاقتصاد، والاستثمارات تهرب بفعل الشغب والمظاهرات، وضعف الحكومة يُغرى برفع سقف المطالب الفئوية، والجماعة الإرهابية لا أمل لها فى الحياة، إلا أن تظل البلاد فى حالة غليان، لتستثمر المشاكل والأزمات، وتتاجر بها وتزايد عليها، فالاستقرار ليس فى صالحهم، وكلما انفرجت أزمة تراجعوا للخلف خطوة، ورغم أنهم جربوا سياسة" الأرض المحروقة"، فحرقتهم قبل أى شىء آخر، إلا أنهم مستمرون فى العنف والإرهاب والتخريب الى ما لانهاية، وبمرور الوقت سوف تشهد البلاد مزيداً من الأعمال الهيستيرية، بفعل يأس الجماعة الإرهابية وانفلات أعصابها، وسعيها إلى العودة المستحيلة إلى الحكم.
معركة مصر المصيرية هى تقديم رسائل طمأنة للداخل قبل الخارج، بأن الدولة لديها الإصرار والعزيمة على استكمال عملية "إنقاذ مصر"، والسير فى ثلاثة اتجاهات متوازية، الحرب ضد الإرهاب، استكمال خارطة المستقبل، والبناء والتنمية، والأهم أن يشعر الناس بالإنجازات على أرض الواقع، حتى تنفتح شهيتهم للحياة، وتتولد لديهم الثقة بأن العهد الجديد مختلف عن سائر العهود السابقة، وأنه مضى الى غير رجعة عصر الضحك عليهم بأسطوانة الرخاء المشروخة، ويالها من مهمة صعبة ومضنية فى زمن أصبح فيه الناس خبراء فى السياسة والاقتصاد والدستور وكرة القدم، وسقطت نظريات حشد الجماهير، وحل محلها إحترام إرادتها ومشيئتها، الفرنسيون لديهم مثل جميل يقول "الشعوب كالنساء تؤمن بالدليل أكثر مما تؤمن بالقسم"، والناس فى بلدى لن يعترفوا - مثلا - بأن حكومتهم تحارب الغلاء، إلا إذا ذهبوا إلى الأسواق ووجدوا الأسعار لا تحرق جيوبهم، والعاطل لن يصدق البيانات الوردية حول التشغيل، إلا إذا وجد عملا يصون حياته ويؤمن مستقبله، وكذلك العشوائيات والفقر والصحة والتعليم والمرور ورغيف الخبز، وكلها تحديات تحتاج سنوات وليس شهوراً لمواجهتها والتغلب عليها، ورغم ذلك تفاؤلوا لأن نجاح خارطة الطريق السياسية هو خير حافز لخرائط طريق أخرى أمنية واقتصادية، وإن روح 30 يونيو مازالت القوة الكامنة التى تقود البلاد فى الاتجاه الصحيح.
ليس بالدستور وحده تواجه البلاد مشاكل والتحديات، ولكن بأن تتحول النصوص الصامتة إلى خطط عمل وسياسات، مشفوعة بجداول زمنية للتنفيذ، تتولاها حكومات قوية وقادرة وفعالة، تخضع للحساب والمساءلة بقدر التزامها بالبرامج التى تعهدت بها، أما الحكومات التى لا يعرف أحد كيف جاءت ولماذا ترحل، فهى وبال على بلدها وشعبها، وكم سمعنا رؤساء وزراء يفرشون الأرض وعوداً لا يتحقق منها شيئاً، وكم شهدنا وزراء يسكنون أبراجاً عاجية، وكم وعدونا بالخروج من عنق الزجاجة فانحشرنا أكثر وأكثر فى الزجاجة، وكم أساءوا لخطط التنمية فازداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً، وتولدت لدى الناس حاسة " كشف الكذب" فخرجوا بالملايين فى الشوارع، أملا فى مستقبل تشرق شمسه على الجميع، وياله من شعب عظيم يعرف طريقه، ويسير فيه.