تنبيه قبل القراءة: هذا ليس مقالا وكلاما له علاقة بالفن من قريب أو بعيد حتى لو ورد فيه اسم فنان أو فنانة هنا أو هناك، هذا مقال له علاقة بمجتمعنا وأخلاق الناس فيه، فإن كنت مستعدا لأن تواجه نفسك بمظاهر من سوء الخلق أكمل أما وإن كنت من هؤلاء الذين يرددون أننا شعب خلوق وأننا مازلنا أصحاب قلوب شرقية رقيقة تحترم كبيرها وتعطف على صغيرها فاتكل على الله من الأول وماتكملش قراءة لأن هذا المقال لن يكون على هواك.
هل تعرف من هى جوانيتا مور؟ غالبًا لن تكون من بين من يعرفونها، ولكنها على كل حال ممثلة أمريكية سمراء رُشحت للأوسكار مرة واحدة عام 1960 ولم تقم بأدوار ذات أهمية بل كانت ممثلة من الفئة ج أى صاحبة أدوار صغيرة مثل عاملة فى مصنع أو خادمة فى بيت وهى أدوار ثانوية ليست ذات أهمية فى عيون الجمهور الأمريكى ولا غيره، رُب صوت فى داخلك يقول لى طب ماشى وإحنا مالنا بالست جوانيتا.. انتظر وصبرك بالله فجوانيتا التى أكملت عامها التسعة وتسعين ماتت منذ أيام وكان خبر وفاتها فى صدر الصفحات الأولى فى أهم الصحف الأمريكية.. غالبًا مازال الصوت بداخلك يقول نفس العبارة طب الله يرحمها وإحنا مالنا.. ألم أقل لك صبرك بالله، فجوانيتا لم تكن نجمة فى سماء الفن وطال بها العمر حتى كادت أن تكمل المائة عام وهى تعيش بين الأمريكيين أهل الغرب أصحاب القلوب التى نقول عنها جامدة ورغم هذا فبحثت عن تعليق فى صحيفة أو من مواطن أمريكى كبير أو شاب يتحدث عنها بعبارة مثل «ياه هى كانت لسه عايشة مش كفاية عليها كده» ومثل هذه العبارات التى نسمعها كثيراً كلما أتى ذكر واحد أو واحدة كبار فى السن ماتوا أو مازالوا يحيون.
روبرت ريدفورد نجم أمريكى غالبًا سمعت باسمه إن كنت صغيراً أو شاباً أما وإن كنت كبيراً أو كهلاً فستعرفه جيداً، لأنه فى يوم ما مضى كان أشهر نجوم هوليوود وأكثرهم وسامة، هذا الفنان الذى وصل عمره إلى 77 عامًا يتم اليوم ترشيحه لجائزة الأوسكار فى صراع مع أسماء شابة ومتوسطة العمر، ورغم أن حفل الأوسكار لم يقم بعد إلا أننى أستطيع أن أصف لك مشهد لحظة نطق اسم ريدفورد سواء مرشحاً أو فائزاً، ففى هذه اللحظة سيقف كل نجوم هوليوود صغارهم وكبارهم إجلالاً لنطق اسم نجم ربما أفلت الأضواء عنه ولكنه صاحب تاريخ يحترمه ويعرفه ويقدره الجميع ولن نسمع كلمة من مشاهد للسينما أو فنان شاب يقول «إيه العالم دى هو لسه فيه نفس مش يروح يموت أحسن».
تعال لى بقى وخلينا نتجه لشرقنا وأولهم بلادنا هل جلست يومًا فى مجلس أتى فيه ذكر اسم الفنانة صباح.. غالباً حدث وغالبًا كانت الكلمة التى تلى نطق اسمها من أغلب الحاضرين «يوووه هى لسه عايشة» وتبدأ النكات والتريقة على طول عمرها وعجبًا أن يسخر قوم من عمرها وكأنها تجلس على قلوبهم وتأكل من جيوبهم وتأخذ من نصيبهم من الهواء، وصباح مجرد مثل وجوانيتا وريدفورد أيضًا مجرد أمثلة لأخلاق أمم، تتواصل أجيالها فتصنع سلاسل من الإنجازات البشرية ومجتمعات تتصارع أجيالها فتقطع الوريد والشرايين بين تجاربها، صحيح أن الحياة تقوم دائماً على الصراع وصراع الأجيال هو سمت من سمات الحياة، ولكن صراع الأجيال فى مصر يأخذ منحنى غير مسبوق منحنى قاتلاً للصغير والكبير معًا، وقد بدا ذلك بوضوح أكثر منذ قيام ثورة يناير وحتى ما قبلها، فعند بعض الصغار رغبة أن يموت كل الكبار أو أن يصيروا تماثيل فى متحف بالكثير، وعند بعض الكبار أغلب الصغار ودونا فى داهية، وللحق لا كل الصغار ولا كل الكبار يستحقون ما يضمره بعضهم لبعض سواء سخرية أو جداً.
كنت منذ عام فى رحلة خارج مصر وأثناء عودتى التقيت سيدة خمسينية تنهى إجراءات وصولها مثلى داخل المطار فابتسمت لها كعادتى حين تواجهنا فوجدتها دون سابق إنذار تقول لى «أنا ماجتش مصر بقالى سنتين بس خايفة أدخل بجد لأنى عندى إحساس أنهم عايزين يطلعوا قرار بقتل كل من هو فوق الخمسين!» عبارة تبدو ساخرة لكنها تلخص حالنا البائس اليائس.
إن الله سبحانه وتعالى الحكيم ذا القوة قد خلق الحياة وبذرتها من أسرة، أب وأم وأبناء أى أجيال متعاقبة ولو كانت الحياة تستقيم بغير هذا الترتيب ما كان خلقها هكذا، وقالوا وقلنا على أنفسنا نحن أمة يوقر صغيرها كبيرها ويرحم كبيرها صغيرها، فما الذى حدث لنا ولم نعد نوقر كبيرنا بل نسخر منه ونتأفف أنه مازال يحيا ويحاول البقاء، ولم يعد كبارنا حين يمتلكون الأمر يرحمون الصغير ويعلمونه كما أمرنا وخلقنا المولى عز وجل فى تتابع لهذا الغرض.
خلاصة القول هو إحنا بقينا كده ليه؟ لو كنت تعرف الإجابة هنيئاً لك اعمل فى حياتك على أن تغيرها ولو كنت لا تعلم مثلى أعد السؤال على غيرك ربما تعرف إحنا بقينا كده ليه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة