قال الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر حسن العطار «من لم يتأثر برقيق الأشعار، تتلى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار، فى ظلال الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار» وحينما سأل الروائى العالمى باولو كويلهو عن سبب اعتزازه البالغ بكونه برازيليا، لخص الأمر فى ثلاثة أسباب، وقال: لماذا لا أعتز بكونى برازيليا، فلدينا أعظم فريق لكرة القدم، ولدينا نساء جميلات، ولدينا شعب جميل يحب الرقص، وحينما أراد المعلم الروحانى «أوشو» أن يلخص الحياة فقال: «الحياة فى غاية البساطة، إنها رقصة فرح، وبإمكان الأرض أن تمتلئ بالفرح والرقص، ولكن بعض الناس لهم مصالح راسخة بأن لا يتمتع أى إنسان بالحياة».
من هذه الاقتباسات الثلاثة على اختلاف مشاربها ومواردها وعلى تنوعها واختلافها، نتأكد من أن فعل الرقص هو فعل إنسانى راق، يلجأ إليه الإنسان تعبيرا عن انفعاله فرحانا أو انتشاء أو حتى تبتلا لله، حتى أن بعض المفكرين، قد اعتبروا الرقص علاجا روحيا للكثير من الأمراض، ولذلك فقد عبر قطاع عريض من الشعب المصرى عن فرحته بإجراء الاستفتاء رقصا وطربا وانتشاء، لكن لأن جماعة الإخوان ومن حالفها من أعدى أعداء هذا الشعب وثقافته، ولأنهم أيضا من أعدى أعداء الحياة وتطورها، فقد ظهر هذا العداء جليا فى تعليقاتهم على وقائع الاستفتاء، خاصة فى تهكمهم الوقح على انفعال الشعب المصرى وفرحته البالغة بإتمام وقائع الاستفتاء، والذهاب إلى صناديق الاقتراع وتعبيرهم عن هذا الفرح بالرقص فرحا وانتشاء، وعلى طريقة «ملقاش فى الورد عيب قال ده أحمر الخدين» لم يجد أنصار الإخوان شيئا ليتهموا به الاستفتاء سوى التهكم على فرحة مصر باستفتائها.
هنا لا بد أن أقول إننى منذ الأيام الأولى لثورة 30 يونيو العظيمة وأنا أقول إنها ثورة ثقافية فى المقام الأول، فشعب مصر الذى انتفض للإطاحة بالإخوان، هاله ما رآه من استهداف واضح لروح مصر وثقافتها ووجدانها، لم يستوعب مقدار الإجرام الذى مارسته جماعة الإخوان المسلمين ضد أفكار مصر، وأعلام مصر، ومعالم مصر، تألم حينما رأى رأس طه حسين مقطوعا، وتأذى حينما رأى وجه أم كلثوم مستترا، وانفجر غضبا حينما علم بسعى الجماعة لتأجير منطقة الأهرامات، لم يستوعب أن يرى حاشية من كان يظن أنه رئيس وهو يعيد مصر إلى خطاب العصور الوسطى، لم يقدر على مشاهدة هذا الرئيس المعزول وهو يخطب، فيثبت فى كل مرة أنه ضحل الثقافة، عديم الموهبة، فارغ المحتوى، فتأجج الصراع ما بين مصر الحديثة الحضارية كما نريدها أن تكون، ومصر المتخلفة المغيبة الغبية كما أرادها مرسى وأتباعه، ومنذ اليوم الأول لحكم مرسى وهذا الصراع على أشده، لكن وفاة ثقافة التخلف والرجعية لم تتحقق إلا فى 30 يونيو حينما انتصرت إرداة الشعب وانتصرت ثقافته الحداثية على ثقافة مرسى وأتباعه البدوية الخشنة الجافة الميتة، واليوم فقد كتب الشعب المصرى شهادة وفاة هذه الجماعة رسميا فى استفتاء شهد له القاصى والدانى بالحيادية والشفافية والنزاهة، وطبيعى أن يعلن المدحور استياءه من رقصة النصر.