لافتة دعاية ضخمة خضراء اللون تسر الناظرين، وتستدعى للعقول تاريخ حزب الوفد العريق سياسيا وفكريا واجتماعيا، ويعزز مكانة لافتة الدعاية فى وجدانك حملها لصور رموز وفدية مثل سعد زغلول، ومصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين، وفجأة وكما ينتقل العريان من السخن إلى البارد تفجعك صورة المدعو توفيق عكاشة، بوجودها فوق نفس لافتة الدعاية بحجم أكبر من صور سعد زغلول ومصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين مجتمعين، حتى يكاد الأمر يبدو وكأن عكاشة عملاقا وسط ثلاثة من الأقزام، ثم تتضاعف المأساة حينما تقرأ بعيونك ما تحويه لافتة الدعاية من كلمات جاء نصها كالتالى فى أربعة سطور:
- السطر الأول وبحجم صغير: الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة «سعد زغلول»
- السطر الثانى وبحجم أكبر: لجنة الوفد ببلبيس ترحب بالثائر..
- السطر الثالث وبحجم أضخم: الأستاذ الدكتور توفيق عكاشة
- السطر الرابع وبحجم أصغر: فى مؤتمر نعم للدستور لا للإرهاب
الوصف السابق كان لمحتوى لافتة دعاية ضخمة شاهدت العيون أكثر من واحدة منها فى شوارع مدينة بلبيس للإعلان عن مؤتمر لدعم التصويت على الدستور بنعم، ينظمه حزب الوفد ويحاضر فيه توفيق عكاشة المؤسس الأول لحركة التهجيص الإعلامى، وأول من فتح الباب لمشاركة أنصاف المتعلمين والمجاذيب فى صياغة المشهد الإعلامى المصرى.
أنت تسأل عن الجريمة هنا؟
حسنا ياسيدى، لن أسرد لك تاريخ الوفد، ولن أملأ أذنيك بالكثير من الكلام عن عظمة الدور التاريخى والفكرى لسعد زغلول، ومصطفى النحاس وحزب الوفد عموما، ولن أسأل كيف طاوعت قلوب وعقول السادة المسؤولين عن حزب الوفد، أن يتجاهلوا رموز مصر ورموز الحزب ويجعلوا من توفيق عكاشة واجهة للوفد؟، ولن أسأل طبعا كيف طاوعتهم قلوبهم وأيديهم بصناعة لافتة دعاية تبدو عليها صورة سعد باشا أصغر بمراحل من توفيق عكاشة؟ أنا أعلم تماما أننا وصلنا إلى مرحلة من العبث والجنون تجعل من مشهد لافتة حزب الوفد أمرا عاديا، وأعلم أيضا أننا نعيش فى زمن تقول عنه الحكمة الشعبية «القوالب نامت والأنصاص قامت» ولكن ألا يمكن لهذه «الأنصاص» أن تقوم كما تشاء، دون أن تدهس تاريخنا بالأحذية؟.
الطيور على أشكالها تقع، أنا وأنت نؤمن بذلك، ولكن هل يؤمن سيد البدوى ورموز حزب الوفد، أن اختيارهم لتوفيق عكاشة متحدثا وواجهة لمؤتمر يحمل اسم حزب الوفد، اختيار لا يعنى سوى أنهم صورة طبق الأصل من العكاشة وأكاذيبه وسذاجته وقبحه الفكرى والعقلى؟، ألم يفكر أى قيادى وفدى فى حال الأجساد الراقدة أسفل التراب، كيف ستتقلب وتتوجع وهى ترى عكاشة متحدثا باسم حزب الوفد، كيف ستتعذب وهى تجد أبناء الحزب يضعون صورهم كالأقزام بجوار رجل مؤهلاته الفكرية والعلمية لم تكن لتسمح له بأن يفتح باب الحمام أو السيارة لأى من بشوات حزب الوفد؟
أنا أشعر بروح سعد باشا وهى تصرخ فى فضاء الرحمن، مكررة النداء الشهير بأنه لافائدة، وأشعر بروح مصطفى النحاس باشا وهى تغدو وتروح بين القبور، وهى تبكى صارخة «شقى عمرى ضاع ياسيد يابدوى»، وأرى من بعيد السيدة صفية زغلول والسيدة زينب الوكيل وبجوارهما مكرم عبيد وفؤاد سراج الدين وهم يحملون من أرض «القرافة» ترابا يضعونه فوق رؤوسهم كلما نظروا لصورة توفيق عكاشة وهى تتصدر مؤتمر حزب الوفد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة