أحمد الجمال

من الغيط للصحافة.. الفئران لا تختلف

الثلاثاء، 21 يناير 2014 10:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى النباتات والحشرات والحيوانات، وكذلك فى الإنسان، سلالات مقاومة لكل ما هو مفيد ومصلح!
خذ عندك بعض الحكايات التى قد تشرح الأمر، بعضها مباشر وبعضها الآخر.. مباشر أيضا!
كان لى من الأخوال الأشقاء- من الأم والأب- ستة، وكانت أمى أختهم الوحيدة، وكان غير الأشقاء- أى من الأب فقط- ذكرين وثلاث خالات.. وكان أصغر أخوالى عمرًا هو خالى فؤاد.. مات جدى وتركه طفلا لا يتجاوز سبع سنين، وكان يكبرنى بإحدى عشرة سنة.. ولم يكمل تعليمه وانقطع للفلاحة، ولهذا قصة درامية تراجيدية أحاول استكمال كتابتها ضمن رحلة حياتى الفقيرة، عملا بنصيحة وطلب الزميل الصديق سعيد الشحات وزملاء أعزاء آخرين!
المهم أن الخال فؤاد كان يتمتع بذكاء فطرى مثير، وله صولات وجولات فى عالم الشقاوة بكل ميادينه، حيث احترف لعبة التحطيب، وكان يتقدم مواكب الموالد الكبرى فى قريتنا، وفى مقدمتها مولد سيدنا الشيخ إبراهيم بصيلة، وطبعا مولد النبى -عليه وآله الصلاة والسلام- فيطيح صاحبنا بمنافسيه فى اللعب بالعصا، وله حيل وضربات مسجلة باسمه فى الذاكرة الفلاحية المحلية.. كما كان «فلاتى» من طراز رفيع، تقع النساء فى عشقه ولا يتورع هو عن إرواء عشقهن، ويبدو أن الجينات فى هذا المضمار كان لها أصول وصارت لها امتدادات وفروع، والمعنى فى بطن السطور!
وكنت أذهب إليه- حيث فضّل الإقامة فى العقدين الأخيرين من عمره الذى لم يطل وانقطع قبيل الخامسة والستين- فى دار بسيطة بناها على رأس الغيط.
ومن عشرات الحكايات أنتقى اثنتين أو ثلاثًا مرتبطة بما نحن بصدده، أو بالأصح ما أنا بصدده، وهو السلالة البشرية المقاومة لكل ما هو مصلح ومفيد شأنها شأن سلالات نباتية وحشراتية وحيوانية!
ذات مرة وصلت الغيط وسألت عنه فقيل إنه هناك «تحت».. وفى الغيطان تنقسم الجهات إلى جهتين فقط «فوق» أى رأس الغيط أى مدخله من ناحية الطريق الرئيسية المؤدية إليه.. و«تحت» أى امتداد الغيط عكس الاتجاه.. ومن ثم يصح أن نقول «فوق مبحّر» حاء مشددة أى أول الغيط من بحرى.. ومن ثم «فوق مشرّق وفوق مغرّب» بتشديد الراء فى الحالتين.. وكذلك الأمر بالنسبة لتحت.. واتجهت إليه فإذا به ومعه عدة أنفار يحفرون فى عمق الأرض، والحفرة تكاد تصل لعدة أمتار اتساعا وعمقا.. ومن أعلى ناديته «بتعمل إيه»؟! وأجاب «استنى.. طالعلك»!
وطلع ثم قرفص وأخرج علبة الدخان السايب ليلف سيجارتين لى وله، وبعينيه الخضراوين وبكل ملامح وجهه التى صارت غامقة بفعل الشقاء تحت الشمس، سألنى: «بذمتك وأنت متعلم أحلى علام إيه لازمة إن النجيل يضرب جدوره فى الأرض لتنزل وتنزل ييجى عشرة متر، وكل ما أعوز أخلص الأرض منه لا نافع مبيدات ولا نقاوة من على وش الأرض.. ولازم الحفر ورا الجدور زى ما أنت شايف وإلا سيملأ الأرض كلها ويمنع أى محصول من النمو.. وبعدين أديك شايف الزرع حواليك مافيش مترين فى مترين سالمين.. آكل مين أنا وكتيبة العيال والأنفار اللى أنت عارفهم؟!».. ثم استكمل: «شوف لى فى الكتب عندكم سبب واحد يخللى ربنا يخلق النجيل»؟!!
ومرة ثانية اقتربت من رأس الغيط وكان هو مشغولا بتعبئة كميات من التبن من خلف زريبة البهايم.. لا مؤاخذة! وعندما شعر بوصولى نادى على أحد أبنائه: «افرش الفرشة للباشا ابن عمتك وولع ع الشاى لحد ما آجى»!
وجلست، وفجأة وجدته ينادى بأعلى صوته: «تعال بسرعة واستحمل ما سأقوله».. ونهضت وتوجهت إليه حيث يمسك بفأس لها حديدة عريضة مصممة لتعبئة التبن، وهو منحنٍ على شىء لم أتبينه لأول وهلة.. وأمرنى بأن أقترب: «قرب وتعال جنبى»، واقتربت وإذا به يمسك بأطراف أصابعه جسم فأر صغير وبطنه مفتوح: «ما تقرفش»!
ثم استطرد: «فهمنى يا متعلم.. ليه هذه الفأرة النتاية عشار فى 12 فار».. ثم مد يده بعود حطب رفيع إلى جوف الفأرة المفتوح وكأنه أستاذ تشريح فى كلية الطب البشرى أو البيطرى سيان، وأشار إلى رحم الفأرة المزدحم باثنى عشر جنينا فى حجم حبة الفول الصغيرة. ثم رمى ما فى يده، وأخرج العلبة إياها ولف السيجارتين وولع واستطرد: «فهمنى! أنت عارف إن أنا عندى حمارة محترمة.. ونفسى أموت وأخليها تعشّر «تحبل» فى بغل، وكل ما أوديها بسيون «مركزنا» عند عبده العربجى وأدفع له خمسة وعشرين جنيه علشان ينطط عليها الحصان علشان تخلف بغل.. ما تمسكش- أى لا ينفع التلقيح- ونفذت كل النصايح.. واحد يقول لى بعد ما ينزل الحصان رش على حياها- عضوها التناسلى- مياه باردة.. وواحد يقول لي: لأ.. بعد ما ينزل الحصان هات البُلغة واضربها على حياها ثلاث مرات لا أقل ولا زيادة علشان لما تحس بالوجع جسمها يقشعر- ينقبض- فتمسك نطفة الحصان، وواحد ثالث يقول لى: لا.. بعد ما ينزل الحصان خليها تجرى لحد ما تعرق!! كل ده وما فيش فايدة.. وربك سبحانه وتعالى يرزق الفأرة اللى أنت شفتها بدستة فيران فى البطن الواحدة عشان تطلَّع دين أبونا فى خراب كل ما يقابلها، يعنى تلاقيها تاكل الطماطم والخيار والبطيخ واللوبيا والفاصوليا والذرة وهى لا تزال على أعوادها، وتقرض الخشب، وتلد فى التبن وتغوص فى سوائل اللبن والسمن.. يعنى مؤذية فى كل الحالات.. وأنا هاموت على بغل من الحمارة.. وما فيش فايدة!
وفى سنة من السنين كان يربى بعض النحل فى خلايا مختلطة.. بلدية وإفرنجية.. يعنى من الطين ومن الخشب، ثم فوجئ بهجوم الدبابير الصفراء والحمراء هجومًا مشتركًا على نحل العسل لتبيد النحلات الكاملة وتقتحم الخلايا فتبيد اليرقات والغذاء والعسل وكل شىء.. ويومها أشعل نارا وأحرق كل ما صادفه من أماكن يحتمل أن تعشش فيها الدبابير، وسأل سؤاله الوجودى الأبدي: «ليه النافع مالوش حظ والمؤذى يكسب.. ويا خوفى يكون بيكسبها دنيا وآخرة»!
سرحت مع خالى فؤاد وعدت وكأننى أجلس إليه وأستمع إلى حكاويه، نوادره وأفعاله التى لم تكن تخلو من انعطافات كاريكاتورية مضحكة أحيانا ومبكية أخرى، فيما كنت أتابع قراءة مقال كتبه وجه من الوجوه الكالحة الرديئة المنتمية لعصر حسنى مبارك!
فمنذ شهور قليلة عاد ذلك الكالح الذى يشبه الدمل الذى لم يفتح بعد ورأسه مفلطح يختلط فيه لون الدم بلون الصديد، وخصصت له صحيفة حكومية «قومية» كبرى صفحة خاصة يكتب مقالا فيها على ثمانية أعمدة عرضا وبعمق ثلاثين أربعين سم، وقد كان من قبل على رأس إحدى المؤسسات الحكومية التى يتم تدليعها بالقومية، وكان يتباهى بأنه لا يكتب جملة واحدة صحيحة إملائيا ونحويا وأنه يدوخ المصححين وراءه.
عاد الكالح ضمن عودة جوقات الذين هم بالضبط نجيل وفئران ودودة قطن.. مخلوقات مقاومة لكل ما هو مصلح ومفيد ومحترم.. مخلوقات وجدت لتفسد وتدمر وتشيع الخراب!
لقد قرأت له وهو يلف ويدور ليشتم القائد العام للقوات المسلحة المصرية، وزير الدفاع الحالى، دون أن يظهر أنه يشتم! فكتب قصة عن ممثلة عالمية مشهورة ونسب لها عبارة كتبها بالعربية ثم كتبها فى الصحيفة القومية-!!!- بالإنجليزية لتظهر كلمة تشبه فى نطقها نطق لقب وزير الدفاع ومعناها بالعربية بالغ الانحطاط والوساخة، وهنا أدركت أن صراعا مكتوما بدأ يظهر على السطح يمثل أولئك الكالحون السفلة طرفا فيه، وتمثل الحركة الوطنية الثورية المصرية الطرف الآخر، ولأن جيش مصر وقائده العام انحازا للثورة منذ يناير 2011 فإن أولئك الكالحين لم ولن يغفروا هذا الانحياز، وقد ظنوا بجهلهم وغبائهم أن 30 يونيو وما بعدها فرصة أعادت لهم الاعتبار، وقد نسوا أن ما ارتكبوه هو أقرب إن لم يكن هو نفسه جريمة آداب مخلة بالشرف أبد الآبدين.
سوف نحفر فى التربة المصرية لنستأصل جذورهم لأنهم إذا اجتثوا من على السطح بقيت لهم آثار يمكن أن تظهر فى أى وقت إذا سنحت الفرصة!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة