رغم الأحداث الجسام التى مر بها الأقباط، فى عام المحنة الذى حكم فيه مرسى مصر، فلم نسمع صوتا لأقباط المهجر، ولا تحريضا للغرب لإنقاذهم من المذابح، ولم نر مظاهرات صاخبة فى الكاتدرائية، تهتف «بالروح بالدم نفديك يا صليب»، ولم يستقو الأقباط بالخارج، بل بوطنهم وأشقائهم الذين خرجوا لحماية كنائسهم وأرواحهم وممتلكاتهم، فالهم واحد والخطر ينال المسلمين قبلهم، لأن المعزول وجماعته وعشيرته وضعوا أنفسهم فى كفة وبقية المصريين فى الأخرى، وأعلنوا الحرب على الجميع، ينعتون الأقباط بلفظ النصارى والمسلمين بالرويبضة، الجنة لهم والنار لأعدائهم، فكان طبيعيا أن يشعر أقباط مصر بأنهم ليسوا وحدهم المستهدفين، بل الوطن كله بسماحته ووسطيته واعتداله وشعاره الجميل «الدين لله والوطن للجميع».
اعتبروا ما يقع عليهم جزءا من الضريبة التى يدفعها الوطن، وهو يستجمع قواه لمواجهة الجماعة الإرهابية، واستدعى البابا تواضروس روح الوحدة الوطنية الأصيلة، التى تواجه بها مصر الأزمات والمحن، وقال عبارته الرائعة «أن تحرق الكنائس أفضل من أن تحرق مصر»، فالكنائس يمكن إعادة بنائها، أما البشر فلا يمكن إعادتهم للحياة مرة أخرى، والاضطهاد ليس واقعا عليهم باعتبارهم أقباطا، بل كمصريين وجزء أصيل من النسيج الوطنى، وقفوا يساندون بلدهم فى المحنة، ولم يخافوا تهديدا أو وعيدا، ولم يعبأوا باتهامات الشاطر والعريان وصفوت حجازى.
الرسالة الأولى المهمة هى نهاية العزلة السياسية للأقباط، وإقبالهم الكبير على المشاركة فى القضايا المصيرية، فعندما أحسوا مثل إخوانهم المسلمين، أن مصر فى طريقها إلى الضياع، تحت حكم المعزول وجماعته، تناسوا همومهم الخاصة وانصهروا فى الهم الوطنى، فضياع مصر ضياع لهم ولا ينفع معه البكاء على كنيسة تحترق، أو فتاة مسيحية يؤسلمها المتشددون، أو حرق بعض المنازل فى القرى، فالمصيبة أكبر من كل ذلك، لأن مصر كانت على أعتاب حكم فاشى، سيحرمهم من بناء الكنائس أصلا، وبعضهم يعتبرهم ذميين تستحق عليهم الجزية، وبعضهم ينزع عنهم الهوية الوطنية، وغير ذلك من الموروثات المفرطة فى التطرف، والتى يذهب بعضها إلى تحريم الاستعانة بالأقباط فى وظائف الدولة.
الرسالة الثانية هى أن مصر هى التى تحمى شعبها وليس الخارج، ورغم الحوادث الكثيرة التى تعرض لها الأقباط فى عام حكم مرسى، فلم نسمع صوتا لأوباما أو الكونجرس أو جماعات الضغط فى أمريكا، بإدانة هذه الاعتداءات، وكانوا فيما مضى يهددون ويحذرون، ويتباكون على حقوق الأقباط المنقوصة، والظلم المنهجى الذى يتعرضون له، وبدا واضحا للعيان أن الإخوان أقرب لأمريكا من الأقباط، وأنهم بالنسبة لها مجرد ورقة ضغط يستخدموها ضد مصر، فأمريكا لا تعرف إلا مصلحة أمريكا، وتبكى الآن دموعا ساخنة على الإخوان، وتستخدم نفس الفزاعات حول الديمقراطية والمصالحة وحقوق الإنسان.
الدروس المستفادة كثيرة وأهمها أن ينخرط الأقباط فى المنظومة السياسية فى الفترة القادمة، بعد سقوط كل الأسباب التى كانت تعوقهم.. المشاركة على أساس المواطنة وليس الدين، والهوية المصرية وليس الطائفية، وأن يحتمى الجميع بعلم مصر ودستورها وقوانينها، التى لا تعرف التفرقة ولا الانحياز، فمصر للمصريين جميعا، فى الحلوة والمرة، وفى الانتصارات والانكسارات والأفراح والأحزان، مصريون بعضهم يذهب إلى المساجد وبعضهم إلى الكنائس ولا فرق بينهم.