نقاء محمد فريد ووضوحه وانحيازه للفقراء وشجاعته، صنعوا منه النموذج الأمثل للوطنية المصرية، والاهتمام بإحياء ذكراه هذا العام هو واجب أخلاقى، قبل أن تبتذل فكرة الزعامة على أيدى الغوغاء، ستكتشف أن ما كان يحلم به قبل أكثر من قرن لا يختلف عن شعارات يناير، ولم يتحقق بعد.
هاجر سنة 1912 إلى تركيا ثم سويسرا وانتهى به المطاف فى ألمانيا، سبع سنوات يغرد بصوته وقلمه فى كل المؤتمرات والمنابر ليحذر من خطر الاحتلال البريطانى على السلام العالمى، وعلى مستقبل الإنسانية، لا توجد جهه تنفق عليه أو تعالجه ليقول ما تريد، كتب آخر رسالة فى حياته فى 14 سبتمبر سنة 19 إلى سعد زغلول «نحيى فيكم الوطن الغائب»، كانت الثورة التى بشر بها هى الرد قبل أن يصعد إلى جوار ربه فى 15نوفمبر، رحل وحيدا طريدا مريضا بعيدا عن أهله ووطنه.
ويحلو لى بين الحين والآخر العودة إلى قراءة خطبه، فى إحداها «الفلاح المصرى أتعس فلاح فى العالم، أتعس من الفلاح الروسى الذى يضرب بشقائه المثل، ولا خلاص له من هذه الحالة إلا بنشر التعليم الإبتدائى وجعله إجباريا، وبتشكيل نقابات زراعية للدفاع عن حقوق الفلاح أمام الحكومة وأمام الملاك الذين يزيدون عليه الإيجارات بمناسبة وغير مناسبة، وأمام المرابين الذين يأخذون منه ما يبقى له بين جشع الملاك وظلم الحكومة، فى القاهرة أحياء برمتها لا ينفذ إليها نور الشمس نهارا، ولا يوقد فيها مصباح ليلا، ولا تعرف للكنس والرش اسما، لن ينصلح الحال حتى يصبح الصانع والزارع فى مأمن من الفقر، والتكفف عند الشيخوخة أو المرض، محمد فريد فى ذكرى ميلاده الـ146 ألف رحمة ونور عليه.