أقول للعائدين من أخوارهم بعد أن كانوا أذلة منكسرين لا تنسوا الله فهو قادر على إعادتكم مرة أخرى أكثر إذلالا وانكسارا.
لم أكن أتصور يوما أن يثور جدل على ثوره يناير، أو أن تكون هبة الشعب المصرى وانتفاضته العظيمة ونزوله الشوارع والميادين عبر 18 يوما عظاما محل تشكيك، تلك الثورة النبيلة التى تسامت فيها أرواح المصريين فتوحد المسلم والمسيحى وتعاون الغنى والفقير، وتكامل فيها الشيوخ والشباب، تكون محل شبهة الآن!! فذلك هو آخر الزمان إذن!!.
ظلت مصر تحت وطأة الحزب الوطنى الفاشى المحتكر المستبد لمدة طويلة وظل مبارك وشلة قليلة من المنتفعين يسيطرون على حكم مصر وحدهم، فاحتكروا البرلمان وزوروا نتائجه، فنتج برلمان مشوه غير معبر عن جموع الشعب المصرى واختلافاته ولا يحقق طموح الشعب فى مجلس نواب ينقل نبض الشارع، تحول مبارك إلى نصف إله يأمر فيطاع يؤخذ منه ولا يرد عليه، يحبس معارضيه وينكل بهم مستخدما جهاز أمن الدولة المتجبر، فسجنت المعارضة ودمرت كل الأحزاب السياسية ونكل بها، ولكنه على النقيض ظل يتعاون مع تيارات الإسلام السياسى وعلى رأسها الإخوان ويدخل معهم فى مواءمات واتفاقات وصلت بهم لعدد مقاعد كبير فى برلمان 2005 كما قرروا أن يلفظوهم بالكامل فى برلمان 2010 والذى جاء مزورا بكامل طاقمه!! كما ظلت حالة الفقر والافقار للمصريين واضحة لا تخطأها عين وتفشت الأمراض والأوبئة وازدادت معدلات حوادث الطرق لتصل لأعلى النسب العالمية بحيث كانت تفقد مصر عشرات الألوف من البشر سنويا على الأسفلت، وانهار الاقتصاد وفتحت البنوك أبوابها لنواب القروض الذين سرقوا المليارات وهربوا، واحتكر رجال أعمال مبارك سوق المال والأعمال وتضخمت ثرواتهم على دماء المصريين، كما حوى ذلك الحزب جزءا كبيرا من طفيليات المجتمع المنتفعين المرتزقة والذين كان كل شغلهم الشاغل الحصول على منافع شخصية من وراء انتمائهم للحزب الوطنى حزب الرئيس، تشبث مبارك بالكرسى إلى آخر لحظة رافضا إطلاق الحريات والدخول فى منافسات سياسية نزيهة، واكتفى بإطلاق الإعلام والصحف لتكون بوقا للتنفيس عن المجتمع فقط، ودون ظهور نتيجة واحدة لتلك الآراء المنثورة فى الإعلام!!
كل هذه الظواهر السابقة التى سردتها وغيرها الكثير أثارت الشعب المصرى ودفعته للنزول بكثافة غير مسبوقة فى 25 يناير 2011 وأيد ذلك نزول ثانٍ مذهل فى 28 يناير انكسرت فيه مقاومة الداخلية وتدخل الجيش لحفظ الأمن بالبلاد وكتب شهادة ميلاد لدولة جديدة ليس فيها مبارك وحزبه المستبد، وتطورت الأمور فى 18 يوما إلى أن تخلى مبارك عن السلطة جبرا إلى المجلس العسكرى بعد مراوغات ومحاولات عدة للالتفاف على الثورة وتفريغها من مطالبها، نزل الملايين لكل الميادين وأيدهم ملايين أخرون قابعون مذهولون فى البيوت ومتطلعون لدولة الحرية والمساواة والعدل.
هكذا كانت ثورة يناير الشريفة العزيزة التى فتحت آفاقا جديدة للشعب المصرى لم يكن ليحلم بها يوما وأزاحت جماعات الطغاة والمنتفعين والمرتزقة من طفيليات المجتمع، ولم يظهر لحزب الأغلبية المزعوم أى ردة فعل ذات وزن على الأرض لمقاومة يناير، وظهر جليا واضحا أن المصريين جميعا يرفضون مبارك وشلته، وحتى حينما سطا الإخوان بتنظيمهم الكبير سنا وعددا على التفاوض باسم ثورة يناير لم تكن غلطة الثورة ولكنها كانت أخطاء مبارك فى تثمين هذا التنظيم والتعاطى معه وتقويته بالترك حتى استفحل وطغى، وكانت أيضا أخطاء مجلس عسكرى أدار مرحلة انتقالية حساسة بخوف شديد من تيار الإسلام السياسى وتعاطوا معه على نفس كتالوج مبارك!! وحتى لا أكون متحاملا فيجب أن أذكر أيضا أن طبيعة المرحلة وبكارة تجربة الثورة لم تعطِ للجميع فرصة للاقتراب وصيانة الحكم إلا الإخوان الذين كانوا جاهزين تماما بتحالفتهم الداخلية والخارجية.
إن أعداد الشهداء الكبيرة ودمائهم الذكية التى افتدوا بها الوطن لن ننساها يوما، وكم المصابين الذين طالتهم يد الأحداث لن يكونوا يوما محل تشكيك أو استهزاء ونكران من قوى وقطاعات من المجتمع لم نتعود منها إلا التطلع للحكم فقط وعلى حساب الجميع، تلك الثورة الأبية المتفردة لن تسحق أبدا تحت أقلام وعلى ألسنة المغرضين الذين يريدون أن نعود إلى الماضى السحيق البائد، الذين يريدون تشويه الثورة العظيمة التى أعادت الأمور إلى نصابها فتضررت مصالحهم وأحوالهم المعيشية ومكاسبهم على حساب أبناء الوطن الفقراء.
أقول للعائدين من أخوارهم بعد أن كانوا أذلة منكسرين لا تنسوا الله فهو قادر على إعادتكم مرة أخرى أكثر إذلالاً وانكسارا، لا تتندروا على كفاح ودماء المصريين، ولا تزيفوا التاريخ مثلما انتم مزيفون، لا تكونوا أعداءً لرغبة الشعب المصرى فى ثورة يناير والتى استكملها فى ثورة يونيو 2013، فالشعب نزل فى المرتين لاستكمال نفس المسار وليس للعودة مرة أخرى لمساركم الأعوج الملتف، مصر ستستكمل ثورتها فى يناير والتى أكدها المصريون فى يونيو، مصر ستمضى للمستقبل بدونكم ولا عودة لأصوات الماضى ولا عودة لمنافقين مبارك وكل مبارك، لن نترك ذلك الوطن لكم لتعيدوه إلى الوحل مرة أخرى، فلقد وهبنا أرواحنا لمصر حتى تتحول وتتغير إلى وطن قوى ديمقراطى عظيم.