ما أسهل أن نلقى باللوم على الجميع، وما أصعب ألا يكون أمامك خيار آخر!
وكأنه قد كتب علينا أن نشغل أنفسنا كلما تقع واقعة إرهابية مقيتة بالرد على بعض المدعين المزورين الذين يزيفون الحقائق، ويصنعون بكلماتهم الكريهة فرقعات كلامية بخسة، كأنه أيضًا قد كتب علينا كلما وقعت واقعة أن نقاوم سعار المستبدين للمزيد من الإجراءات الاستثنائية، وادعاءات المبرراتية الذين يتسترون على ما بأجهزة الدولة من قصور واضطراب.. وللأسف فقد يتوه الحق وسط هاتين الفئتين المضللتين، وقد يضيع الوطن فى ظل حماقة هذا أو استبداد ذاك.
تفجير إرهابى وقح اعتدى على الحاضر والماضى والمستقبل، وفى الصورة لا يظهر سوى المستغلين. بعض من يدعون أنهم نشطاء وثوريون يلقون باللوم على وزارة الداخلية وحدها، مدعين أن الوزارة مقصرة فى تأمين منشآتها، ويشيرون بخبث واضح إلى تورط الداخلية نفسها فى العملية، فتجد الواحد منهم كأنه قد أصبح أينشتاين العصر الحديث، وهو يشكك بيقين تام فى الواقعة دون أن يدرى أنه هو نفسه كان منذ سنتين أو أقل يرفع شعار «إن بعض الظن إثم»، ويهاجم كل من يتطاول على ثوار التحرير، ويقول «المرضى فحسب هم الذين يلقون باللوم على الضحية»، ثم تأتى الأيام ويصبح هو فى المقعد المقابل، وأول ما يلجأ إليه هو إلقاء اللوم على الداخلية، مدعيًا مرة أنها «مقصرة»، ومرة أنها «متورطة»!
ولا يساوى هذه الوقاحة «الفيسبوكية» المنتشرة سوى وقاحة من يريد أن يستغل هذه الحوادث الإرهابية لحصد تأييد فى الشارع، أو تمرير إجراءات استثنائية تضر أكثر مما تنفع، فتجد أحدهم وقد انبرى مدافعًا عن الداخلية، مؤكدًا أن الحل فى قانون مكافحة الإرهاب، أو فى إعادة قانون الطوارئ، دون أن يقول لنا ما الذى يكبل وزارة الداخلية فى القبض على المجرمين، ودون أن يخبرنا عن أوجه القصور الحالية فى قانون العقوبات.
الخلاصة هى أننا لن نتقدم شبرًا طالما بقيت الدولة، «دولة رد فعل» لا تعرف ماذا تفعل، ولا تتصرف إلا بعد وقوع الكارثة، فنعم الداخلية مقصرة فى تأمين بعض منشآتها الحيوية، لكن الأزمة ليست أزمة وزارة الداخلية وحدها، بل أزمة شعب بأكمله، شعب يعانى من قصور حاد فى الموارد والإمكانيات والخبرات العلمية الدقيقة التى إن توافرت فلن تكتفى بتأمين مقر أو إبطال مفعول قنبلة، إنما ستتعدى هذا إلى تجفيف منابع الإرهاب كلية، والأزمة أيضًا أن هناك حالة غريبة من اللامبالاة الوطنية التى تجعل بعض الشباب يروجون لمخططات الإرهاب وهم يدعون أنهم يحاربونه.