أحمد الجمال

كلام فى العلم والفطنة والعبرة والفراسة الصادقة ودعاء لمن يصرون على أن يكونوا مفعولاً به وفيه

الثلاثاء، 28 يناير 2014 10:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أكتب عن البصيرة، وظننت أننى أعرف دلالاتها جيدًا، غير أنى اكتشفت ضرورة أن أعرف المزيد، لأن ما لدىّ لا يسمن ولا يغنى من جوع!
وذهبت إلى لسان العرب فوجدت ما يلي: «والبصيرة: عقيدة القلب. قال الليث: البصيرة اسم لما اعتقد فى القلب من الدين وتحقيق الأمر، وقيل: البصيرة الفطنة، تقول العرب: أعمى الله بصائره أى فطنه، عن ابن الأعرابى: وفى حديث ابن عباس: أن معاوية قال لهم: يا بنى هاشم تصابون فى أبصاركم، قالوا له: وأنتم يا بنى أمية تصابون فى بصائركم. وفعل ذلك فلان ذلك على بصيرة أى على عمد.
وعلى غير بصيرة أى على غير يقين. وفى حديث عثمان: ولتختلفن على بصيرة أى على معرفة من أمركم ويقين. وفى حديث أم سلمة: أليس الطريق يجمع التاجر وابن السبيل والمستبصر والمجبور أى المستبين للشىء، يعنى أنهم كانوا على بصيرة من ضلالتهم، أرادت أن تلك الرفقة قد جمعت الأخيار والأشرار. وإنه لذو بصر وبصيرة فى العبادة، عن اللحيانى. وإنه لبصير بالأشياء أى عالم بها، عنه أيضا. ويقال للفراسة الصادقة: فراسة ذات بصيرة. والبصيرة: العبرة، يقال: أما لك بصيرة فى هذا؟ أى عبرة تعتبر بها، وأنشد:
فى الذاهبين الأولين
من القرون لنا بصائر
أى عبر: والبصر: العلم. وبصرت بالشىء: علمته، قال عز وجل: «بصرت بما لم يبصروا به». والبصير: العالم والتبصر: التأمل والتعرف».
ثم ذهبت إلى تاج العروس من جواهر القاموس، فوجدت تفصيلا أوسع مما فى لسان العرب وعرفت أن البصيرة هى أيضا: الحجة والاستبصار فى الشىء، وهى أيضا: شىء من الدم يستدل به على الرمية ويستبينها به، وكذلك هي: الترس اللامع وقيل: ما استطال منه، وكل ما لبس من السلاح فهو بصائر السلاح.. إلى آخر ما جاء فى تاج العروس!
وفى ظنى أن كثيرين من المشاركين فى الأحداث الكبرى التى تعيشها المحروسة ينقصهم العلم والفطنة والعبرة والفراسة الصادقة والحجة والاستبصار!، لأنها أمور يؤدى غيابها إلى ضيق الأفق وقصر النظر، وعدم إدراك قانون الصيرورة فى حركة التاريخ وما الصيرورة إلا التطور والتغير.. وبدونها لا يكون التاريخ تاريخا ولا البشر إنسانا!
ولقد جلست مساء السبت الفائت أستمع لنقاش حاد بين بعض زملائى الصحفيين المهتمين بالشأن العام، وفى خلفية أسماعنا صوت ميدان التحرير، وكان بعضهم متألما متحسرا على ما آلت إليه ثورة 25 يناير، وأراد أن يدلل على ألمه وحسرته بأن المنصة اعتلاها الانتهازيون ومُنع منها الثوار.. وأن الأمن ألقى القبض على العديد من قيادات شباب الثورة الذين عرفهم الميدان ثوارا حقيقيين قبل ثلاث سنوات، ولم يكن منتظرا ولا متصورا أن تأتى لحظة يُطردون فيها من الميدان وأن تلتقطهم أيادى الأجهزة الأمنية فرادى على النحو الذى جرى! وكان البعض الآخر يتحدث عن المضمون الحقيقى لما قدمه أولئك الشباب وقياداتهم، وصولا إلى مؤسس التيار الشعبى من إنجازات حقيقية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية للناس؟!
وفيما كنت أستجمع شتات ذهنى للكتابة، تذكرت تصريحا نسب للمستشار الإعلامى لرئيس الجمهورية، وهو صحفى أعرفه، قال فيه: لا يوجد اتحاد ملاك لثورة 25 يناير ويبدو أنه كان يقصد التعريض بشباب الثورة المحتج على ما وقع من تهجم على الثورة وتجن عليها.. ثم تذكرت تصاعد الحملة الإعلامية على 25 يناير لدرجة قيل فيها، إنها كانت مؤامرة قادها متآمرون مأجورون، وعلى النحو الذى أظهرته التسجيلات التى بثها أحد الصحفيين على شاشة إحدى القنوات الفضائية المصرية الخاصة!
نحن إذن أمام عمى البصيرة الذى أظنه أصاب كثيرين!! نحن أمام غياب العلم والفطنة والعبرة والفراسة الصادقة والحجة والاستبصار!
نحن أولا أمام عقلية ظنت أن من بذر البذرة ورواها يتحتم أن يكون هو من يجنى الثمرة ويستمتع بالظل وحده، فإن لم يكن وحده فإن له الأولوية الأولى فى الثمار والظلال، وهو من يسمح أولا للآخرين بقضمة وبمساحة ظل!
ونحن ثانيا أمام عقلية تعتبر وجود مواد «الاحتراق» أى الخشب والنار وحدهما مصدر الطاقة، دون أدنى تفكير فى أنهما وحدهما لا ينتجان شيئا إذا غاب الأكسجين.. الغاز المساعد الأساس فى الاشتعال، وهو مادة غير منظورة ولا محسوسة، ولكن بدونها لا يوجد اشتعال ولا تنتج طاقة من أى درجة بأى نوع!
ونحن ثالثا أمام عقلية أسيرة لنظرية المؤامرة ولا تجد تفسيرا للأحداث، سوى أن يدا امتدت بالمال وأخرى امتدت لتأخذه وثالثة امتدت بالخطط والتعليمات وأخرى تحركت لتنفذ.. وكلنا بعد ذلك مخدوعون مضللون أغبياء سذج!
نحن ببساطة أمام وضع لا يسر أحدا، لأن الأطراف التى نتحدث عنها قررت أن تكون خارج حركة التاريخ، وأن تكون بعيدة عن قانون الصيرورة أى التطور والتغير.
إن الأصل هو أن الأمم تبنى حياتها.. أى تاريخها بالتراكم، ولا يمكن لأمة من الأمم أن تمضى باتجاه تطورها إذا جاء من أبنائها من يظن أن له صفات إلهية، أى أن يكون هو الأول والآخر والظاهر والباطن وما عداه.. فلا شىء!.
إن لنا أن نتخيل فرقة عمل تشترك فى بناء مدرسة أو مسجد أو كنيسة أو حتى عمارة سكنية، فإذا بعمال الحفر وعمال نقل الطوب والأسمنت والحديد والخشب وعمال خلط المونة وعمال صب الخرسانة والبنائين والمهندسين المدنيين والمعماريين، يقررون أن أحدا غيرهم لن يدرس ولن يصلى ولن يسكن.. وإذا تصادف وأراد أحد أن يدرس أو أن يصلى أو أن يسكن، فليأخذ الإذن منهم أو يفعل ما يأمرونه به.. وإلا فهو سارق معتد أثيم!.. وإذا شبهنا الثورات بذلك البناء وقاربنا بين المشاركين فى الثورة بالفكرة أو بالجهد أو حتى بالدماء والأرواح وبين الذين شيدوا البناء، فإن الأمر سيكون أكثر فداحة لأن الثورة أعظم وأقدس من أى بناء!
ولنا أن نتخيل أيضا تراكما هائلا للظلم الواقع على شعب من الشعوب، وعمقا فادحا للإحساس بذلك الظلم دون أن يوجد من يحدد أبعاد الظلم ومضامينه، ويقدم المسطرة أو المعيار الذى به يتأكد أن ما يجرى هو ظلم بكل المعايير.. ثم دون أن يوجد من يؤجج لدى المظلومين إحساسهم بما يقع عليهم ومردود ذلك على كل جوانب حياتهم المعنوية والمادية وعلى مستقبل أجيالهم.. ثم دون أن يوجد من يتقدم الصفوف ويبدأ الحركة لدفع الظلم ومهاجمة الظالمين، وحشد الناس فى وجههم وإبداع فنون للفعل المقاوم الذى تتجاور فيه الكلمة مع نقطة العرق وقطرة الدم.. وعندئذ يكون السؤال البديهى هل بدون هذا وذلك وذاك يمكن أن يتغير الوضع وأن تمضى الجماعة الإنسانية فى طريق تقدمها؟!
بعد ذلك لنا أن نتخيل جماعة إنسانية لا تستطيع أن تنظم الطاقة الناتجة عن جهدها وفعلها، ثم يأتى آخرون ليتحكموا فى هذه الطاقة ويوجهونها الوجهة التى يريدونها، بما فى ذلك توظيفها ضد مصلحة الجماعة التى أنتجتها.. وتأتى تلك الجماعة لتقول إن فعلها ذاته هو مؤامرة من أساسه بدليل أن نتائجه لم تصب فى صالحها!!
وهذا بالضبط ما حدث بعضه أو ما يشبهه مع الفعل الثورى المصرى فى يناير 2011.. لأنه فعل كان أشبه ما يكون بتفاعل نووى جبار نتجت عنه طاقة هائلة.. ولأن الثورة لم يكن لها أجندة تفصيلية بخطوات الفعل ما بعد الانفجار الشعبى، ولم يكن لها قيادة محددة عكفت على تنظيم هذه الطاقة، فإن هناك من كان يتوقع التفاعل والانفجار، ويرصد مساره وكان يتربص للتدخل لتوجيه مسار الطاقة الناتجة عنه، سواء بأياد مصرية أو غير مصرية، وهو ما يشير إليه مسار الأحداث ومحتوى التسجيلات إياها.
وهنا يبرز السؤال الجاد: هل حدث بالفعل وتمكنت جهة ما ولتكن أمريكا والاتحاد الأوروبى والعدو الصهيونى والأقزام حكام قطر من الانحراف بنتائج الثورة المصرية وتحقيق ما أرادوه من تقسيم لمصر وتفتيت لمجتمعها، ومن دفع لها إلى قاع مستنقع التمزيق الدينى والطائفى من خلال التمكين للإخوان الإرهابيين؟
أقول وبالفم الملآن لقد حاولوا، ولكنهم أخفقوا حتى الآن واستعادت مصر قدرتها على توظيف طاقة انفجارها الثورى.
إن عمى البصيرة سيستمر لدى كثيرين ما لم يقدروا على فهم أن التاريخ حلقات متصلة صاعدة، كل حلقة تؤدى إلى الأخرى التى وإن اختلفت عن سابقتها إلا أن بينهما اتصالا عضويا لا ينفصم.. وما لم يقدروا على فهم أن التراكمات لابد أن تؤدى إلى تغيرات من الكم إلى الكيف ومن الكيف إلى كم جديد، حتى يقضى رب العباد أمرا كان مفعولا. أما الذين يريدون باستمرار أن لا يكون فاعلا وإنما مفعولا به وفيه، فلا حل لهم إلا الشفقة.. والدعاء بأن يشفيهم الله عز وجل.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة