من الظلم أن يتم اتهام المتظاهرين أنهم حرقوا الأقسام واقتحموا السجون، ومن الظلم أيضاً أن يدافع من تظاهروا فى مواجهة الفساد والظلم عن اقتحام السجون وحرق الأقسام، أو الاغتيالات الغامضة، والأحداث التى كانت وما تزال تمثل ألغازاً فى سياق الثورة، وهى التى دفعت البعض للحديث عن مؤامرة، حتى من بعض من شاركوا فى المظاهرات وكانوا شهودا على براءتها.
ولا يمكن تبرئة النظام والداخلية تماماً من قتل المتظاهرين فى المواجهات، والإصرار على الدخول فى مواجهة غير محسوبة مع مئات الآلاف من المتظاهرين فى القاهرة والمحافظات. وهذا الغضب يبرر بعض الحرائق فى الأقسام والمراكز التى كانت فى مواجهات مع المتظاهرين، لكن نفس المتظاهرين يقرون أنهم لم يتطرقوا أبداً ولا فكروا فى اقتحام السجون أو صنع انفلات أمنى كان واضحاً أنه تم بعيداً عن المظاهرات السلمية.
وهذا الفصل بين المظاهرات والمخططات، مهم للتفرقة بين من كان يسير نحو التغيير، ومن كان يستهدف فوضى عارمة يربح منها ويفرض سيطرته، بعد إسقاط الدولة.
لا حظ أن الجدل حول الدولة وإسقاطها مايزال قائما، هناك من يرى مبالغة فى الخوف من سقوط الدولة، فى مواجهة أغلبية ترى أن أى سقوط للدولة يفتح الباب لمصير غير ثورى يجعل مصر فى طريق العراق وليبيا، حيث السيادة لمن يملك سلاحاً أكثر وميليشيات، بينما تغيب القوة التى يمكنها تنظيم العملية السياسية، هذا الخلط المتعمد، كان سبباً فى ضياع الحقيقة وتداخلها، وانتشار الشك فى الكثير من الخطوات، وتراجع البعض ممن شاركوا فى مظاهرات يناير ليدافعوا عن الدولة، بينما هناك من يستهين بالدولة وكيانها، ويرى أن الثورة تعنى إسقاط كل ما هو قائم والبناء من جديد، من دون أن يقدم أنصار هذا الرأى نموذجا لدولة قامت بعد تفكيك مؤسساتها. هناك نماذج أفغانستان والعراق والصومال.
كان يوم 28 يناير هو اليوم الفاصل فى يناير 2011 والفيصل فى 30 عاما من حكم مبارك، الذى بدا هو ونظامه وقد فقدوا القدرة على التمييز أو الاستجابة، وهم من ساعدوا بغرورهم الغبى فى ارتفاع سقف المطالب.
لا يوجد «لو» فى السياسة والتاريخ، ولا يوجد تكرار كما قد يتصور البعض، وكما قلنا فإن أحدا لا يمكن أن يتهم المتظاهرين باقتحام السجون وحرق الأقسام، بل أن بعضهم دافع عن هذه الأقسام، لكن الدفاع عن الحرق هو الآخر ظلم لا يفترض أن يرتكبه من سعوا للعدالة.