فى المثل الشعبى يتهكم المصريون على من يريدون مخالفة المنطق ومجافاة الواقع ببلاغة مدهشة، إذ يقول المثل متعجباً متهكماً ساخراً مستنكراً «نقول تور.. يقولوا احلبوه»، وهو بتلك الصياغة يسخر من ذوات الخلل العقلى والغياب المنطقى الذين يعرفون أن الحياة عبارة عن مقدمات ونتائج، وبرغم ذلك يتوقعون نتائج خيالية لمقدمات واقعية، فمعروف أن «الثور» لا يدر اللبن، وتلك هى المقدمة، والنتيجة المنطقية لحلب الثور هى نطحة قاسية وليس كوب حليب صافيا، وبرغم ذلك فإن المختلين يريدون من الثور لبناً.
نفس المعنى ولكن بصياغة أقل بلاغة وأكثر مباشرة وردت فى المقولة التى رددها العديد من شباب الثورة فى السنوات الثلاث السابقة حيث تقول هذه المقولة «الأغبياء فقط هم الذين يقومون بنفس الأعمال عشرات المرات ويتوقعون نتائج مختلفة، فما بالنا مكثنا سنينا نحلب الثور دون أن يدر لبناً، ومع ذلك يصر بعضنا على الاستمرار فى الحلب.
لك أن تغضب من الواقع وأن تبذل كل ما فى وسعك لتغييره وتعديله وتطويره، لكن قبل أن تشرع فى التغيير عليك أن تعد العدة له، وأن تعرف حدود قوتك وحدود قوة خصمك، وأن تحدد أعداءك وتعمق الصلات مع حلفائك، وأن تضع استراتيجية مرحلية تسعى من خلالها إلى الوصول إلى الهدف فى خطوات منتظمة وثبات محسوب، ولك أن تعرف أن الحكاية الشعبية التى تقول إن السلحفاة تغلبت على الأرنب بالصبر والدأب والمواصلة حدثت لمرة واحدة، ولولا غرور الأرنب لما فازت تلك السلحفاة «الأسطورية» ولو تكرر السباق عشرات المرات بعد تلك المرة فلن تفوز السلحفاة أبدا، ولو تعلم الأرنب من أخطائه فلن يسمح أبدا بأن تقهره السلحفاة، بالإضافة إلى ذلك فإن السلحفاة لم تفز بتفوقها النوعى ولا تنمية مواهبها وقدراتها، وإنما فازت بصدفة نادرة التكرار، ولو كنت مكان السلحفاة لما دخلت سباقا فى السرعة مع الأرنب، وإنما لدخلت معه سباقا فى الصبر على الصيام عن الطعام، لأن هذا ما أجيده وأتقنه.
يقول الله تعالى فى كتابه الكريم «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، ويقول لك المنطق إن المقدمات السليمة تؤدى إلى نتائج سليمة، وتقول لك السلحفاة لا تعتمد على حكمتى وأسطورتى، ولك أن تعرف أن المسابقة التى فزت فيها كانت بين سلحفاة مثابرة وأرنب مغرور، فما بالنا الآن التسابق الآن بين سلحفاة مغرورة وأرنب مثابر.
كلام كهذا ربما يكون نافعا بعض أصدقائى من شباب الثورة الذين يريدون أن يغيروا العالم دون أن يفتحوا عيونهم ليروا هذا العالم.