إبراهيم عبد المجيد

الليبرالية حين تتسع

الجمعة، 31 يناير 2014 06:48 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أزعم طبعا أننى باحث فى العلوم السياسية، وحين أظهر فى بعض البرامج يتم تقديمى بما هو حقيقى وكيانى.. الكاتب والروائى، ولا يقول مقدم البرنامج مثلا كما يقول عن البعض الباحث فى العلوم السياسية وأسمع، فلا أجد إلا باحثا عن برنامج أو الأستاذ فى العلوم السياسية وهو مدرس فى الجامعة لم يحصل على الأستاذية بعد، رغم أن كلمة مدرس أو أستاذ مساعد ليست عارا.. كل ما جرى أننى مثل كثير من كتاب جيلى انخرطنا من زمان مع اليسار فى المعارضة حين كانت فى أحزاب سرية، ثم حين صارت فى أحزاب علنية، ومن ثم أتيحت لنا فرصة القراءة فى علوم التاريخ والاجتماع والسياسة والاقتصاد فى حلقاتنا النقاشية التى كانت من الثراء بمكان كبير.. أدركت من زمان أن الليبرالية تعنى الحرية لك وللآخرين أيضا ومن ثم هى أوسع من المذاهب الشمولية، سياسية أو دينية، وكثيرا ما لخصت التناقض فى عصرى مبارك والسادات أنهما رفعا شعار الحرية والمشروع الحر، بينما كانت قوانين البلد شمولية فى الاقتصاد والسياسة، فلا مشروع إلا بموافقة أمن الدولة من الشركات إلى المجلات والصحف ودور النشر والقنوات الفضائية، فكان العصر عصر كذبة كبيرة، وكان هذا مقتله فى النهاية.. وحين اندلعت ثورة يناير رأيت كيف أن ثوارها من الجيل الشاب يرفعون شعارات الحرية على اتساعها، والمساواة على اتساعها، مما دعا فريقا كبيرا منهم ومن الأكبر سنا من المفكرين والسياسيين باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة وطنية بصرف النظر عن تاريخها وأفكارها التى تختصر الوطن فى الدين كما يفهمونه مضحية حتى بأهله وأرضه ماداموا ليسوا من الجماعة.. جرى ما جرى فى مصر من تطورات انتهت إلى ما نحن فيه من أعمال إرهابية ولايزال البعض يردد المقولة ذاتها.. ومن فضلك أنا لا أتحدث عن حقوق أعضاء الإخوان كبشر فى المعاملة الكريمة وعدم تعرضهم للتعذيب وغير ذلك مما هو مرفوض لكل الناس، أنا أتحدث عن الدور السياسى، كيف حقًا غاب عن الكثيرين أن الإخوان المسلمين أخذوا فرصتهم التاريخية فتعاملوا مع من أوصلوهم إلى هذه الفرصة باعتبارهم أشقياء لا مكان لهم، فقتلوا من قتلوا وعذبوا من عذبوا وضربوا من ضربوا؟، ولن أعيد ما جرى على أسوار الاتحادية أو فى المقطم أو فى الشوارع.
وفى الوقت الذى صمت فيه بعض الكتاب وابتعدوا عن المشهد بسبب الهجوم عليهم والذى أيضًا فاق العقل والتصور، فإن عددا كبيرا من الشباب الصغير ظل فى المنطقة الخطأ وهو التحالف مع الإخوان كراهية فى حكم العسكر كما يتصور، رغم أن ذلك حدث من قبل، وجاء محمد مرسى وفعل ما فعل بمن أتوا به من الثوار.. لماذا لم يفطن هؤلاء الشباب صغار السن الذين يموتون الآن للأسف أو يهانون فى الشوارع بيد الشرطة أو الناس العاديين؟.. أقول لماذا لم يفطنوا إلى أن المعركة الآن أكبر من الإخوان لأنها مع الإرهاب الذى يدافع عن فصيل واحد هو «الإخوان المسلمين»؟.. يعتصر قلبى الألم حين يموت شاب صغير أو يصاب من أى طرف، وأكون أكثر ألما على الشباب الذى يخرج مع الإخوان باعتبار أن من حقهم ما يفعلونه.. والغريب أننى أرى بعض الكتاب أيضا يعودون من جديد إلى الحديث عن أن جماعة الإخوان المسلمين فصيل وطنى.. تانى ياعم.. لا يقول لى أحد إن كلامى يعنى الاعتداء عليهم أو قتلهم، فهذا أمر يدخل فى حقوق الإنسان التى يجب أن تكون مكفولة للجميع، لكننى أتحدث هنا عن العمل السياسى، هل تريدون العودة لما كنا فيه؟ ألم تروا بأعينكم أنهم وقد وصلوا إلى قمة الهرم السياسى كان أهم أعمالهم هو سرقة الوطن ليكون لهم وحدهم؟.. دعاة هذا الكلام الآن يعكسون ثقافة أقول عنها بحسن نية إنها ليبرالية واسعة قوى! واسعة لدرجة أنها أصابتهم بنسيان ما حدث فى عام مرسى العجيب.. البعض يصف هؤلاء بالعمالة لأمريكا، وأنا لا أحب ذلك رغم أن أحدهم كان عرّاب الاتفاقات بين الإخوان وأمريكا قبل الثورة وبعدها.. لا أحب ذلك لأننى مصاب بحساسية لحكاية أمريكا هذه إلى درجة كبيرة، فالدولة المصرية ذاتها ورجالها طوال عهد مبارك تصف الناس بالعمالة لأمريكا وهى دولة أمريكية بامتياز فى كل شىء سيئ.. أقول «سيئ» لو سمحت، فأمريكا لا تريد دولة ديمقراطية، وهم كانوا غير ديمقراطيين غير بالكلام، تريد دولة نهب وكانوا كذلك، تريد شعبا جاهلا مريضا وهم فعلوا ذلك، تريد دولة خانعة وهم كانوا كذلك، ويضايقنى جدا القول بأن أمريكا كانت وراء الثورة، والأصح هو أنها كانت وراء سرقة الثورة لتنتهى للإخوان، وتحاول الآن أن يكون النظام القادم فى فلكها بكل الطرق، ومنها تغيير موقفها مما حدث فى 30 يونيو.. أعود إلى قماشة الليبرالية التى اتسعت فى أحاديث البعض، وهذا البعض- طبعًا- لا ينزل المظاهرات مساندا الإخوان، بل ينزلها عدد من الشباب الصغير البرىء، وهم الذين يتحملون كل النتائج المحزنة، لا أحد يقول لهم إنها ليست معركتكم الآن، هى معركة الدولة مع الإرهاب، ولا أحد يقول لهم أن يوفروا مجهودهم للمعارضة للحكم القادم بعد أن تظهر ملامحه، ولا أحد يقول لهم ما معنى أن تقف إلى جانب من تركك فى أول طريق رغم أنك الذى أوصلته إلى الحكم، لا أحد يقول لهم لماذا تدفع حياتك ثمنا لمن اغتالك من قبل، لا أحد يقول لهم إذا كنت تخشى عودة الدولة الأمنية فالذى سيعيدها هو ما فعله الإخوان المسلمون من استخفاف بحركة الشعب فى 30 يونيو، وعدم استجابة محمد مرسى لكم.. وإذا كنت تخشى من عودة الدولة العسكرية فالسبب هو نفسه ما فعله الإخوان من عدم استجابة للديمقراطية، وما انتهوا إليه من إرهاب، وإذا كنت تخشى أن يجرب الحكم القادم نفس طريقة الإخوان مع الشعب فادخر قوتك لمعارضته، ولن أقول لهم إن ذلك لن يحدث، أى لن يعود أى نظام إلى طريقة الإخوان فى الاستئثار بالسلطة وإنكار وجود الشعب، لن يحدث لأن العمى لا يمكن أن يكون شمل الأمة كلها، عمى الإخوان هو عمى الطوائف العنصرية، ثم إن قوتك أنت أيها الشاب وكل الشباب كانت ومازالت ضمان نجاح الثورة فادخرها ليوم تحتاجها الأمة.. حقا تحت عباءة الليبرالية كل الناس سواء، لكن إذا قدمت لك التجربة من عاملته كذلك ثم أنكر وجودك، فالليبرالية هنا مسخرة لأنه انتقل إلى خانة الأعداء بإرادته! واستدعى أعداءك القدامى إذا كنت تراهم كذلك، أو تخشى أن يكونوا كذلك.. سلامة شباب الثورة وصانعيها الحقيقيين هى ضمان نجاحها، ثم إذا كنت رأيت أغلبية كبيرة من الشعب الآن لا تريدهم وتريد نظاما آخر فاترك الفرصة لهذه الأغلبية الكبيرة الآن ولا تعاديها.. دعها ترى التجربة، وكن وقتها لأهدافك النبيلة حارسا كما كنت ودعوت وخرجت فى 30 يونيو ويناير قبلها.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة