تبدو إيران من الداخل غير عابئة بما يحدث حولها فى الخارج، وكأنها فى عالم آخر لا تحيطه التهديدات وتحاصره العقوبات الاقتصادية الغربية والأمريكية منذ أكثر من 30 عامًا. الزائر لأول مرة لطهران يدرك أن هناك حجمًا مهولًا من الهواجس والهلاوس حول الأوضاع داخل الدولة التى يحلق فوقها ضباب وغموض كثيف محمّل بأسئلة كثيرة، وفى كل اتجاه.
لا شىء بالفعل مما يجرى خارج الحدود يزعج أو يؤثر على إيقاع الحياة اليومى الذى يعيشه الشعب الإيرانى، فالسنوات الطويلة من الصراع مع الخارج دفعت الإيرانيين إلى نسيان القلق والخوف من الحاضر أو المستقبل، ولمَ لا؟ فقد حققوا انتصارًا لافتًا فى الملف النووى رغم لغة الوعيد والتهديد الأمريكى والغربى، وأجبرت طهران الأعداء على الجلوس إلى طاولة الحوار، والاعتراف بحقها المشروع فى البرنامج النووى السلمى.
الأسبوع الماضى كنت ضمن وفد إعلامى مصرى زار إيران لمدة 8 أيام، والتقى خلالها سياسيين وإعلاميين ورجال دين فى حوار مستمر بين النخبة الإيرانية والمصرية داخل طهران فقط، وليس فى القاهرة، بسبب وقف إصدار التأشيرات للإيرانيين إلى مصر، فالملف الإيرانى مازال «على قديمه» فى أدراج الجهات الأمنية، وليس فى وزارة الخارجية. وللعلم فقد زار إيران منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن حوالى 1300 من الإعلاميين والسياسيين والفنانين المصريين فى حوار من جانب واحد، بهدف إزالة أسباب الخلاف والعقبات فى طريق عودة العلاقات بين القاهرة وطهران المتجمدة منذ 34 عامًا.
على أرض الواقع، تشعر وأنت تتجول فى شوارع طهران وأصفهان أنك فى مدن أوروبية لها مذاق آسيوى، فالنظافة والنظام بالشوارع، وانتشار المساحات الخضراء والحدائق العامة فى كل مكان يجعل المشهد ينتمى إلى الواقع الأوروبى، فرغم الحصار هناك بنية أساسية قوية، وتبدو إيران دولة أعلنت الاستغناء عن الخارج حتى إشعار آخر، فقد حققت الاكتفاء بنسب كبيرة فى إنتاج السلاح والقطارات والدواء والسيارات ومترو الأنفاق، بفضل نظام البلديات المتبع فى كل المدن الإيرانية.
الحياة الاجتماعية على غير ما يتصوره الكثيرون، فالحجاب بمعناه التقليدى للمرأة لا تراه إلا فى مدينة قم الدينية، أما فى باقى المدن فهناك غطاء الرأس المتراجع إلى آخر الرأس، ويظهر الشعر بجميع ألوانه وصبغاته، والنساء يشكلن نسبة لا تقل عن %50 من قوة العمل فى إيران.
أما عن مصر وإيران فللحديث بقية.