د. نعمان جلال

أردوغان بين الحقيقة والأوهام

الأحد، 05 يناير 2014 11:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عاشت عدة شعوب عربية وأوروبية فى وهم الإعجاب برئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان رئيس حزب العدالة والتنمية، واعترف أننى أيضًا ممن كانوا معجبين بالتجربة التركية وبالدور الذى اضطلع به رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وكتبت عنها عدة مقالات كما كتبت فصولاً عنها فى أكثر من كتاب من الكتب التى نشرتها فى مصر وفى البحرين.

ولكن خلال السنوات الخمس الماضية بدأت تتكشف حقيقة مواقف أردوغان وطموحاته، وخلال العام الماضى بوجه خاص بدأت تزداد حقيقة أردوغان وضوحًا، وطموحاته انكشافًا، وتعمق ذلك خلال مواقفه تجاه المتظاهرين فى ميدان تقسيم، وزاد الأمر جلاءً خلال ديسمبر 2013 عندما كشف أردوغان عن أربعة توجهات مهمة:
الأول: طموحاته الإقليمية وسعيه للسيطرة على المنطقة العربية خاصة، والشرق أوسطية عامة من خلال السعى لتطويع أكبر ثلاث قوى فى المنطقة، أولها هى: إيران عبر وساطته بالنسبة لبرنامجها النووى بدعوى أن علاقاته وثيقة مع الغرب بحكم عضويته فى الناتو وإمكانه مساعدتها، والثانية سعيه لتطويع مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 باحتضانه لهذه الثورة، التى تصورت كثير من القوى الطامعة فى المنطقة بأنها ولدت بغير أب يرشدها، وأدى ذلك لبروز أب غير شرعي، وهو جماعة الإخوان المسلمين، التى انضمت إليها بعد عدة أيام عندما برزت ملامح نجاحها، رغم أنه كانت لهم علاقات وثيقة مع نظام مبارك الذى استخدم فى تعامله معهم العصا والجزرة، فوضع بعضهم فى السجون، وشارك بعضهم فى مجلس الشعب، وأفسح للرأسماليين منهم أمثال خيرت الشاطر وحسن مالك وغيرهما، المجال لتكوين ثروات طائلة فى عهده. والدولة الثالثة هى السعودية باعتبارها مقر الحرمين الشريفين وأكبر دولة خليجية وذات وزن اقتصادى عالمى ضمن مجموعة الـ20.

وأعتقد أنه فشل فى محاولاته مع كل دولة من الدول الثلاث بدرجات متفاوتة وذلك لقصر نظره ومحدودية تفكيره وعدم إدراكه حقيقة الظروف الإقليمية والدولية.

الثاني: دعوته لمساندة قضية فلسطين وإرساله سفينة مرمرة لتقود بعض السفن الصغيرة المحملة بمساعدات للشعب الفلسطينى فى غزة، ولفك الحصار الإسرائيلى على غزة، وكذلك انسحابه المسرحى من منصة مؤتمر دافوس عام 2009 بعد رد شيمون بيريز على مداخلته، وقد انخدع بهذين الموقفين كثير من العرب الذين تصوروه صلاح الدين الأيوبى الجديد، فى حين أن قلة اكتشفوا الأمر منذ تلك اللحظة، وأدركوا أنه بحثًا عن الزعامة والشعبية، فلم يستطيع أردوغان إنهاء الحصار الإسرائيلى على غزة، كما أن انسحابه من مؤتمر دافوس هو فى إطار العنجهية الشخصية وليس بسبب فلسطين، وإنما بسب رفض رئيس الجلسة إعطائه الكلمة للرد على شيمون بيريز، ولكن الإعلام العربى غير المدقق والمتعطش لظهور بطل يحقق له آماله الضائعة وإنقاذه من حالة اليأس التى تردى فيها بالغ فى إبراز موقف أردوغان.
الثالث: انكشاف مدى حقيقة الديمقراطية وحقوق الإنسان التى يدعو إليها رجب طيب أردوغان عندما قمع المتظاهرين فى منطقة عزى بالقرب من ميدان تقسيم، وعندما اتهم معارضيه بأنهم عملاء ومدفوعين من الخارج، وعندما أعلن أنه سيطرد السفراء الأجانب الذين يحرضون ضده ملمحًا لدور للسفير الأمريكي، وأخيرًا عندما ظهر وجهه الحقيقى باتهام القضاء بالتحريض عليه، وعندما اتهم البوليس بالعمل ضده، وفصل عشرات من ضباط الشرطة، وأمرهم بوقف عمليات الاعتقال ضد الفساد عندما ظهر اسم ابنه بلال ضمن القائمة الثانية، وحرضهم على رفض تنفيذ قرارات القضاء فى هذا الصدد، وعندما سعى لاستمالة القوات المسلحة التركية ضد القضاء فرفضت ذلك وأعلنت حيادها، وصرح بعض القادة العسكريين بنوع من الشماتة ضد أردوغان بأنه استخدام القضاء لمحاكمتهم، وخاصة الجنرالات المتقاعدين منهم، والآن جاء دوره، وكذلك فرض غرامة ضد كل من يتهمه بالفساد أو يتظاهر ويرفع شعار المطالبة "باستقالة اللصوص"، وكأنه أصبح يردد القول المعروف "كاد المذنب أن يقول خذوني" لأن ابنه متهما بالفساد، كما أن عددًا من أبناء وزرائه اتهموا بالفساد وزاد الطين بله إصداره أوامر لشركة الطيران التركية بعدم نقل الصحف غير الموالية له إلى المدن التركية الأخرى الأمر الذى لم يحدث من قبل.
الرابع: عندما تكشفت حقيقة مواقفه من الإسلام بالانتقاد الشديد لرجل الدين التركى فتح الله جولن وجماعته، واتهمه بأنه معاد له ومتآمر ضده، فى حين أن جولن كان من أكثر المؤيدين له الذى أيده وسانده فى الانتخاب، ولكن جولن انتقد أردوغان عندما ظهرت فضائح الفساد وهكذا خرج أردوغان عن جادة الصواب فى التعامل مع معارضيه، وكل من لا يؤيده، وقد انكشف خداع أردوغان للدول الغربية الساذجة التى تعيش فى وهم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان كشعار لا نعرف مدى إيمانها الحقيقى به، وإنما نلمس مظاهر عدم المصداقية فى أمرين مهمين أولهما تأييد الغرب بوجه عام للنظم الاستبدادية خاصة من يسيرون وفقًا لمخططاته ولعل موقف الغرب من الزعيم الليبى السابق معمر القذافى بعد سيره فى الركاب الغربى يمثل قمة التناقض، وموقفه الآن من بشار الأسد مقارنة بموقفه منه منذ بضعة شهور، وأيضًا احتضانه لنورى المالكى وفكره الطائفى وسلوكه الاستبدادى وقمعه للمعارضين له من الشيعة والسنة والأكراد وحصاره للرمادى والانبار واعتقاله لبعض نواب من السنة بالبرلمان، وحرصه على الاستمرار فى السلطة خلافًا للدستور والعرف ورفضًا لمطالب معارضيه من الأحزاب الشيعية المتحالفة معه، أمثال مقتدى الصدر. ونتساءل لماذا يسكت الغرب عن نورى المالكي؟ وأى ديمقراطية يحققها وأى تظاهر سلمى يوافق عليه والعشرات يقتلون يوميًا من قبل الأجهزة الموالية للمالكي.

وفض اعتصام الأنبار بالقوة دون أن ينبث الغرب أو بان كى مون أمين عام الأمم المتحدة بكلمة واحدة.

وفى نفس الوقت فإن الغرب يستخدم الشعار الديمقراطى وحقوق الإنسان كقوة ناعمة لتدمير الشرق الأوسط، وإنجاز ما عجز عن تحقيقه بالقوة الصلبة عبر التدخل فى العراق وأفغانستان أو غيرها، وإلقاء نظرة على ما يسمى بالربيع العربى خير شاهد على ذلك سواء موقف الغرب من أحداث ليبيا أو مصر أو غيرها من دول الشمال الأفريقي.

لقد رفع أردوغان، الأصابع الأربعة للقطيع من الإخوان فى مصر، تعبيرًا عن الثورة وتحويرًا لكلمة رابعة العدوية، وهى السيدة الصوفية التى زهدت فى الدنيا، ولا علاقة لا بفكر الإخوان، أو أردوغان وسلوكياتهم، وعندما رفع الثوار والمتظاهرون فى تركيا خلال الأسبوع الأخير شعار "استقالة اللصوص" ففرض أردوغان على من ينطق بالكلمة عقوبة مالية قدرها 170 دولارًا هل هذه حرية الرأي؟، وحرية التظاهر، وحرية التعبير؟ التى يتحدث عنها الغرب وسعى أردوغان لإظهار نفسه بأنه بطل الحريات، وهل هذه هى الديمقراطية أيها الغرب الصامت؟ أين جماعات حقوق الإنسان فى الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية؟ التى صدعت رءوسنا بشعاراتها؟ التى ينطبق على تصريحاتها وبياناتها أنها كلمة حق أريد بها الباطل، أو هى أشبه بالشعار المعروف فى التاريخ الإسلامى باسم قميص عثمان.

وتبقى كلمة مهمة وهى إننا نفرق بين الشعب التركى المسلم والصديق، وبين رجب طيب اردوغان كرئيس وزراء طموح يدعو للعثمانية الجديدة، وهى الاستعمار الجديد باسم الإسلام البرىء من مثل تلك الطموحات والشعارات، ونفرق بين حزب العدالة والتنمية الذى حقق إنجازات تنموية لبلاده، وبين أردوغان الزعيم الطموح الذى يسعى لتغيير الدستور بما يتلاءم مع مصالحه وطموحاته فى رئاسة الدولة، إن مقالنا هذا مقصود به أشخاص يعملون ضد بلادنا، ويخدعون شعوبنا العربية من أجل مصالحهم وطموحاتهم الشخصية، ويتدخلون فى شئوننا الداخلية، ويرفعون شعارات يخدعون بها الجماهير الساذجة، أما الشعب التركى فهو برئ من ذلك كله بدليل المظاهرات التى تقوم ضد أردوغان فى ساحة تقسيم وغيرها، إن تلك التظاهرات التى يقمعها البوليس التركى بعنف تختلف عما يمسى تظاهرات سلمية فى مصر حيث يحرق الطلاب مبانى جامعتهم ويحبسون أساتذتهم ويدمرون مبانى الشرطة والأمن والقوات المسلحة ويقتلون أفرادها وهم صائمون من خلال عناصرهم الإرهابية فى سيناء وفى الدلتا والقاهرة وغيرها من المدن المصرية، إن هذا الشعب التركى يحرص على محاربة الفساد أيًا كان من يقوم به ولقد بدأ فساد أردوغان والمحيطين به واضحًا للعامة بما فى ذلك فساد ابنه بلال الذى رددت أجهزة الإعلام أنه هرب من البلاد.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة