أحمد الجمال

«لا تقدرون أن تخدموا الله والمال»

الثلاثاء، 07 يناير 2014 06:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«وبعد ما انصرفوا- أى المجوس- إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف فى حلم قائلا: قم وخذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبى ليهلكه.. فقام وأخذ الصبى وأمه ليلا وانصرف إلى مصر وكان هناك إلى وفاة هيرودس لكى يتم ما قيل من الرب بالنبى القائل من مصر دعوت ابنى».. إنجيل متى - الإصحاح الثانى.
هذا جزء من قصة الميلاد الذى يوافق اليوم 29 كيهك.. ميلاد السيد المسيح- له المجد- الذى يجتمع معه هذا الأسبوع مولد سيدنا محمد- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- ولعل اجتماعهما معا فى أسبوع واحد يكون بشرى خير لمصر تحديداً، تلك التى حمت المسيح واستقبلته، والتى جاء ذكرها فى القرآن الكريم، وأوصى بأهلها الرسول- صلى الله عليه وسلم- وبها وبأهلها وجندها حمى الله الإسلام من أهوال كادت تعصف به، ومازال الوعد الإلهى ومعه التوجيه النبوى قائمين يؤكدان أن مصر مقترنة بالأمان والاطمئنان، وأن كل من أراد بها سوءًا سيرد الله كيده إلى نحره.
إننى منذ وعيت التفكير فى مسيرة التاريخ المصرى بوجه خاص والإنسانى بوجه عام عرفت أن الوجدان البشرى يبقى جافا يابسا محترقا ما لم تصل إليه روافد الاعتقاد بالجوانب الروحية والغيبية فى الكون، ويبقى مالحا فادح المرارة ما لم تصله عذوبة العاطفة وحب رموز بعينها حملت له الخلاص وزرعت فيه المحبة والسعى للاكتمال.
إن جزءًا جوهريًا من الحرب التى نخوضها الآن هو أن ذلك الإرهاب يمثل صميم الجفاف والمرارة، ولهذا فإن مقاومته تتجاوز فرض الكفاية إلى فرض العين، ليتراوح فعلنا تجاهه من القتال- وهو مهمة الجيش والشرطة- إلى المقاومة وهى مهمة الجميع.. المقاومة بالكلمة وبالوعى وبالحركة وبالتعاون لحماية ظهر أبنائنا فى الجيش والشرطة.
وأعود إلى الميلاد المجيد فأقول: إن ميلاد السيد المسيح هو عند البعض الضوء الكاشف لمجىء الرسالة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ذلك أن سلالة الأنبياء امتدت من إبراهيم الخليل، أبى الأنبياء، إلى ولديه إسماعيل وإسحق، ثم انقطعت عن نسل إسماعيل واستمرت فى نسل إسحق إلى أن جاء زكريا، الذى بلغ من الكبر عتيا، وكانت امرأته عاقرا، فتمنى على الله أن يرزقه ابنا بعدما رأى الرزق الغيبى يأتى مريم وهى فى المحراب، ووعده الله بابن اسمه يحيى «يوحنا المعمدان».. ولأن الإرادة الإلهية شاءت أن ينتهى نسل النبوة من سلالة إسحق جاء يحيى «حصورا» أى لا يقرب النساء، وجاء عيسى كذلك أيضا.. لتنتقل الرسالة من نسل إسحق إلى نسل إسماعيل، وهى النبوءة التوراتية بأن يكون من إسماعيل أمة عظيمة، ففى الإصحاح الحادى والعشرين من سفر التكوين نقرأ: «ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذى ولدته لإبراهيم يمرح، فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابنى إسحق.. فقبح الكلام جدا فى عينى إبراهيم لسبب ابنه.. فقال الله لإبراهيم لا يقبح فى عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك.. فى كل ما تقول سارة اسمع لقولها، لأنه بإسحق يدعى لك نسل، وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك.. فبكر إبراهيم صباحا وأخذ خبزا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر واضعا إياهما على كتفها والولد، وصرفها فمضت وتاهت فى برية بئر سبع، ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار ومضت وجلست مقابله بعيدا نحو رمية قوس، لأنها قالت: لا أنظر موت الولد.. فجلست مقابله ورفعت صوتها وبكت، فسمع الله صوت الغلام ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها: ما لك يا هاجر؟ لا تخافى لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو، قومى احملى الغلام وشدى يدك به لأنى سأجعله أمة عظيمة، وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام، وكان الله مع الغلام فكبر وسكن فى البرية.. وكان ينمو رامى قوس وسكن فى برية فران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر».. العهد القديم - سفر التكوين - الإصحاح الحادى والعشرون.
فى هذا الإصحاح من التوراة تتكرر البشرى الإلهية مرتين بأن يصبح إسماعيل بن إبراهيم من هاجر المصرية أمة.. بل وأمة عظيمة أيضا.. ولم يصبح إسماعيل كذلك إلا بعد أن بعث من نسله رسول، هو محمد، صلى الله عليه وسلم.
كان ميلاد السيد المسيح فاتحة عصور جديدة فى سيرة البشرية جمعاء، خاصة فى نطاق منظومة القيم العليا الإنسانية التى كان اليهود قد تكفلوا بهدمها لدرجة وصلوا فيها إلى أن يجعلوا من بيت الرب مغارة للصوص.
وتعالوا معى نتوقف ونتأمل عند الإصحاح الخامس من إنجيل متى، أى موعظة الجبل التى كثيرا ما أتوقف عندها وأقرؤها وأتدبرها، وكثيرا ما ألفت نظر غيرى إليها، بل وحدث عندما كنت أدرِّس لطلاب جامعة هليوبوليس من دارسى الصيدلة والهندسة وإدارة الأعمال برنامجا فى التاريخ والحضارة أن قرأت لهم أجزاءً من موعظة الجبل ضمن شرحى للأبعاد الحضارية والثقافية فى تاريخ مصر القديم والوسيط.
من بين ما جاء فى الإصحاح الخامس أنقل حرفيا ما يلى: «قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل.. ومن قتل يكون مستوجب الحكم.. وأما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم، ومن قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع.. ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم.. فإن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولا اصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك.. كن مراضيا لخصمك سريعا مادمت معه فى الطريق لئلا يسلمك الخصم إلى القاضى ويسلمك القاضى إلى الشرطى فتلقى فى السجن.. الحق أقول لك لا تخرج من هناك حتى توفى الفلس الأخير».. «سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السموات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين، لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأى أجر لكم، أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك؟! وإن سلمتم على إخوتكم فقط فأى فضل تصنعون، أليس العشارون أيضا يفعلون هكذا؟! فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل».
وفى الإصحاح السادس نقرأ: «لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون، بل اكنزوا لكم كنوزا فى السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون، لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا.. سراج الجسد هو العين فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرًا.. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلمًا، فإن كان النور الذى فيك ظلاما فالظلام كم يكون.. لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر.. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال.. لذلك أقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون، أليست الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس.. انظروا إلى طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن.. وأبوكم السماوى يقوتها.. ألستم أنتم بالحرى أفضل منها؟! ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعا واحدة.. ولماذا تهتمون باللباس؟! تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو لا تتعب ولا تغزل ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان فى كل مجده كان يلبس كواحدة منها.. فإن كان عشب الحقل الذى يوجد اليوم ويطرح غدا فى التنور يلبسه الله هكذا أفليس بالحرى يلبسكم أنتم يا قليلى الإيمان».. ثم فى الإصحاح السابع نقرأ: لا تدينوا لكى لا تدانوا.. لأنكم بالدينونة التى بها تدينون تدانون، وبالكيل الذى به تكيلون يكال لكم.. ولماذا تنظر القذى الذى فى عين أخيك، وأما الخشبة التى فى عينك فلا تفطن لها.. أم كيف تقول لأخيك دعنى أخرج القذى من عينك وها الخشبة فى عينك.. يا مرائى أخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى من عين أخيك، لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم».. إنجيل متى- الإصحاح الخامس والسادس والسابع.
ويتساءل المرء عن الذين ادعوا لأنفسهم أن لهم القوامة على الأمة فى دينها ودنياها وتركناهم يدنسون كل ما هو سامٍ ورفيع ومقدس فإذا بهم يدوسون كل ذلك ويلتفتون إلينا ويمزقوننا وطنا وبشرا وحاضرا ومصيرا؟!
لقد آن الأوان أن تتعلم أجيالنا الطالعة أن دين الله واحد، وأن منظومة القيم العليا التى رسختها الكتب المقدسة هى المرجعية الواجب أن تستند إليها ضمائرنا.. ثم نعطى ما لقيصر لقيصر.. ونحن أدرى بشؤون دنيانا.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة