لا سقف للمزايدة، ولا منطق فى الحديث، لذا صار طبيعيًا أن تجد أشخاصًا محسوبين على التيار السلفى أو الجهادى، ممن كانوا يحرمون التظاهر وفقًا لرأى الجهاديين، أو الخروج على الحاكم وفقًا لرأى السلفيين، وهم يتغنون بثورة يناير، أو يتكلمون باعتبارهم ممثلى الثورة ومتحدثيها الرسميين، وصار طبيعيًا أيضًا فى هذا السياق أن ترى كتائب الإرهاب وهى تقتل وتحرق وتسرق تحت زعم الحفاظ على ثورة يناير ومطالبها، وفى هذا الخبل المنطقى لا يجد الواحد شيئًا ليفعله إلا الصمت، فقديمًا قالوا «لا تناقش الأحمق فقد يخطئ الناس فى التفريق بينكما»، والآن نقول «لا تناقش الإسلاميين فالحماقة تعيى من يداويها».
فى الوطنية يزايدون على أبطال مصر الذين رفعوا هامتها عاليًا فى الحروب الضارية، والمعارك المحتدمة، رغم أنهم لم يذرفوا قطرة دم من أجل مصر، وسفكوا دماء المصريين من أجل جماعتهم.. وفى الدين يزايدون على الأزهر الشريف الذى حمى دين الإسلام من كل ضيم واعتداء برغم أنهم لم يفعلوا شيئًا للإسلام سوى التشويه.. وفى العروبة يزايدون على جمال عبدالناصر الذى قضى نحبه وهو يلملم جراح الوطن العربى وقت أن كانوا يشيعون أن العروبة «حرام»، وأن الانتماء إلى «القومية» باطل.. ويزايدون على الديمقراطية برغم أنهم لا يعرفون عنها شيئًا ولا يعادون شيئًا بقدر معاداتهم لها.. يزايدون على كل القيم والتقاليد والأعراف وهم الخاوون من كل قيمة أو تقليد أو عرف، لا تاريخ يملكون، ولا حاضر يمسكون، لكنهم فقط يزايدون ويزايدون ويزايدون.
فى فرنسا كان الأمر مختلفًا، فهم لا يقدرون على المزايدة على فرنسا «بلد الحريات»، ذلك لأن القيم الديمقراطية الحقيقية راسخة لا جدال فيها، والشعب الفرنسى يعرف جيدًا حدود حقوقه وحدود واجباته، كما يعرف أن الديمقراطية الحقيقية تكمن فى إقامة «دولة القانون» بكل حسم، فلا مكان هناك للخروج على القانون تحت زعم «الحرية»، ولا مجال لمحاربة الشرطة أو الجيش تحت زعم «هم الذين بدأوا بالعنف»، ولا مجال لانتهاك المنشآت الدبلوماسية أو السيادية تحت زعم «التعبير عن الرأى»، ولا مجال لقطع الطرق وترويع الآمنين تحت زعم حرية التظاهر، ولذلك كله فضت فرنسا اعتصام أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية بكل قوة وحسم دون أن ينبسوا ببنت شفة، ودون أن يدعى أحدهم أن حكومة فرنسا «حكومة انقلابية»، ودون أن يولولوا فى صفحات الجرائد «المأجورة» أو القنوات الفضائية «الخائنة».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة