ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى تشتعل فيها الفتنة الطائفية على غرار سيدة جبل الطير، فالقصة مكررة ومعادة والأسباب واضحة ومفهومة، وهناك من يشعل النيران ويؤجج الغضب، ومواجهة المشكلة تتم بحلول سطحية ساذجة، تقتصر على جلسات تقبيل اللحى بين المشايخ والقساوسة، يعقبها تدخل أمنى عنيف لوقف التهييج والتصعيد، ثم حملات تشهيرية واسعة النطاق، تدين عنف الشرطة وجبروتها، وكأنها هى التى صنعت المأساة، ومظاهرات غاضبة تهتف هنا «بالروح بالدم نفديك يا صليب»، وتنادى هناك بتحرير أختنا المكرهة، وفى كل مراحل الصراع تعبث أصابع المنظمات الحقوقية، التى تسكب مزيدا من الزيت فوق النار، وبالطبع فهذا أكل عيشهم، وعقولهم على الجهات الدولية التى تمنح التمويل، وليس مع هذا الوطن الذى تمسك فيه النيران.
علينا أن نعترف - أولا - أن تكرار مثل هذه الحوادث يهدد بانفجار طائفى عنيف، لأنها ترتبط بالشرف والكرامة والأديان، والفئات الأكثر عنفا وغضبا وتمردا هم الشباب من الجانبين، وهم الذين لا يخشون الصدام والمواجهة، ويصعب على الجهات الدينية التقليدية فى الكنائس والمساجد السيطرة عليهم، وهم الذين يحملون الصلبان فى جانب والمصاحف فى جانب آخر، ويتصدرون مشاهد العنف والتخريب.
وعلينا أن نعترف ثانيا بأن القضية تمثل حساسية بالغة للإخوة المسيحيين، لأنها تفتقد المساواة فى السماح بالزواج بين الجانين، فالمسيحية لا تمنع الزواج من مسلم والإسلام فيه العكس، أما الجانب الأهم فهو وجود حالة ترصد من بعض المتطرفين والسلفيين للإيقاع بنساء مسيحيات فى قصص حب حقيقية أو مدبرة، تنتهى غالبا بالاختفاء أو الاختطاف، ويكون المحرض على ذلك هو إشعال الفتن، وليس مستبعدا أن تكون هناك جهات داخلية وخارجية تخطط لهذه المؤامرات وتمولها وتحرك أطرافها. الحل فى رأيى هو إصدار تشريع حاسم وباتر، يحظر الزيجات بين أبناء الديانتين ويجرم من يقترف هذا الفعل، حماية للسلام الاجتماعى والوحدة الوطنية ودرأ للمخاطر الكبيرة التى تهدد النسيج الاجتماعى، ولا أريد الدخول فى جدل دينى فى هذا الشأن، فهناك آراء فقهية لعلماء محترمين تجيز ذلك، وتعلى المصلحة العامة فوق الآراء المتشددة والفتاوى المنغلقة، وتخفف من سطوة رجال الدين وتصدرهم المشهد، بمناسبة وبدون مناسبة، وفى الغالب تنتهى وساطتهم بالفشل، فيقفز الأمن إلى المواجهة، ويستخدم أسلحته الغليظة وتزداد المشاكل تعقيدا، وأعتقد أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب والبابا تواضروس فى استطاعتهما أن يذيبا كثيرا من السحب الداكنة فى سماء العلاقات بين أبناء الوطن الواحد.
الأجواء الآن مهيئة أكثر من أى وقت مضى، لاجتثاث الفتنة من جذورها، وأدرك الأقباط قبل المسلمين أن وطنهم كان على شفا الضياع، وتولدت لديهم ثقة كبيرة فى الدولة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسى، وأنهم على مسافة واحدة من الخطر الذى يواجههم وإخوانهم المسلمين، وأن حضن الوطن هو الذى يحميهم ويحتويهم، وليس الاستقواء بالخارج والضغوط الأحنبية، وبناء على ذلك فلا يمكن أن يكون مصير العلاقات الوطنية الرائعة بين عنصرى الأمة، فى يد مراهقين ومتآمرين وبعضهم منحرف جنسيا، فتحدث المواجهات هذه المرة تحت رعاية المتشددين.