نحن مجتمع فى مأزق لا جدال فى هذا الأمر، نحن مجتمع مأزوم ولا أظن أن هناك خلافا حول هذا الشأن، ومأزق المجتمع وأزمته لم تترك كائنا من كان فى هذا المجتمع إلا وطالته، كبيره وصغيره، شبابه وعجائزه، نساءه ورجاله، مسلميه ومسيحييه، متطرفيه والوسطيين وحتى ملحديه، أغنياءه وفقراءه، والخلاصة أنه لم تترك أزمتنا أحدا إلا وتركت عليه علامات تتراوح بين الحفر بسكين أو تجاعيد على الوجه والعقل، فكلنا- كلنا- لدينا أزمات وليس أزمة واحدة، لدينا أزمة مع الحرية ولدينا أزمة مع القهر، لدينا أزمة مع الدين ليس كما أنزله الله ولكن مع أهله ولدينا أزمة مع الإلحاد والتجرؤ على الله، لدينا أزمة مع معنى الوطنية ولدنيا أزمة حول مفهوم الخيانة، وهناك مثالان لقضايا واجهت المجتمع فى أسبوع عيد الأضحى المبارك ربما تمثل حالة اللخبطة الكبرى التى نحياها.
القضية الأولى طرفاها رئيس الوزراء شخصيا إبراهيم محلب والطرف الثانى أحد كبار رجالات تعليم الشريعة فى الأزهر وواحد من مشاهير مشايخه وهو الدكتور أحمد كريمة، فقد سافر رئيس الوزراء للحج هو وعدد من الوزراء كملايين المسلمين، وهو أمر خاص به فى إقامة فرض من فروض الإسلام التى يحلم كل مسلم على وجه الأرض بأن يقيمها، وكان الأمر يجب أن يمر مرور الكرام إلا على أهله وأصدقائه الذين ربما سينادونه بلقب حاج عند عودته وسيحتفلون به، وربما أيضاً قد يستدعى أمر سفر رئيس الوزراء للحج أن يتساءل عامة الناس تُرى هل سافر الرجل على نفقته أم على نفقة الدولة وبعثتها الرسمية، وسواء ما سيفعله أصدقاؤه أو ما قد يدور فى خلد عامة المواطنين، فالأمر طبيعى جداً، لكن أن يخرج رجل محسوب على مؤسسة الأزهر المؤسسة الدينية الكبرى فى مصر والعالم ليعلن دونما سؤال أو استفسار أن حج رئيس الوزراء ووزير داخليته حج غير كامل وبالتالى مشكوك فى صحته، فذلك هو العجب بعينه، والدليل على أزمة عدم فهم الحد الأدنى لوظيفة أو دور رجل الدين فى مجتمعه وحق المسلم فى إقامة شعائره، رئيس الوزراء لم يذهب للدكتور كريمة ليسأله عن صحة حجته، ولو أنه فعل فهذا أمرخاص وفتوى تُعطى لصاحبها، أما أن يخرج رجل دين ليحدد بالاسم من تصح حجته ومن لا تصح فتلك أزمة استدعت أن يتقدم رئيس الوزراء بشكوى ضد الشيخ الذى تدخل فيما لا يعنيه وفيما لا يحق له الفتوى فيه، ولو أن الشيخ الفاضل تحدث فى طقوس الحج عامة وقال مراحلها وأن من لا يقوم بكل مراحلها يصبح حجه ناقصا ثم صمت لقلنا حقه وألف حقه، ولكن الرجل تجاوز حقه ولم يفهم وظيفته فى المجتمع وبين العامة.
أما القضية الأخرى على الطرف الآخر فقد خصت كاتبة معروفة وهى فاطمة ناعوت التى تنشر أفكارها وآراءها فى كثير من الصحف وعلى وسائل الإعلام، أى أنها شخصية عامة لها تأثير فى المجتمع والأدب، وقد كتبت ناعوت على صفحتها الخاصة على الفيس بوك قبل العيد بساعات عبارة تقول إن عيد الضحية ما هو إلا مجزرة بسبب كابوس أتى لنبى الله إبراهيم! وما هى إلا لحظات وكانت مواقع التواصل الاجتماعى تشتعل ويتم تقديم بلاغ فى الكاتبة بتهمة ازدراء الدين الإسلامى، ناعوت أديبة وكاتبة فى الشأن العام ومن حقها أن تكون لديها قناعاتها الخاصة التى قد تتداولها فى حياتها بين أصدقائها، ومن حقها أيضاً أن تكون لديها صفحة خاصة على الفيس بوك، ولكن كان عليها أن تعرف أنها تخوض فى أمر عام جلل وفى عقيدة وركن أصيل فى حياة الجميع ليس للآراء الأدبية والاستعارات اللفظية دور فيها، كما دافعت عن نفسها فيما بعد وهى تقدم اعتذارا عما بدر منها وأساء البعض كما تقول، وللأسف كان اعتذار ناعوت مغلفا بكثير من الجهالة بأمور دينية وأوامر فى القرآن كقول الله تعالى «فصل لربك وانحر» صدق رب العالمين، ولكنى لست بصدد تحاور دينى حول طقس من طقوس ديننا فلست مؤهلة له، كما أن فاطمة ناعوت لم تكن مؤهلة له.
المشكلة والأزمة أن فاطمة ناعوت تحدثت فى أمر عام بشكل خاص، بينما الشيخ كريمة تحدث فى أمر خاص بشكل عام، من حق الشيخ أن يرى حج رئيس الوزراء ناقصا، ولكن ليس من شأنه أن يخرج به على العامة، ومن حق الكاتبة أن تعتقد أن رؤى الأنبياء كوابيس وأن تدافع عن حقوق الخراف ولكن ليس من شأنها ولا وظيفتها أن تخرج على العامة بتعبيرات أدبية كما قالت عن أحد طقوس الدين.
حريتك تقف عند حد معين، الحرية ليست حقا بلا ضابط أو رابط وحين تتوه معالم الحرية على ألسنة النخبة الدينية والأدبية والإعلامية فإن أزمة مجتمعنا تتفاقم، فالحرية بلا قيود هى فوضى غير خلاقة، ونحن مجتمع هرمنا من الفوضى ومازلنا، فارحموا مجتمعا مريضا بأزماته ولا تزيدوها سواء كنتم أهل شريعة أو أهل أدب أو أهل فن أو أهل إعلام.