مازالت اعترافات القادة العسكريين لإسرائيل عن حرب أكتوبر تتوالى رغم مرور 41 عاما على انتهاء الحرب.
لا جديد فى الاعترافات بأن ما حدث كان صدمة وزلزالا وهزيمة ساحقة ومنكرة لجيش الأوهام والأساطير، وسقوط أسطورة الجندى الإسرائيلى «السوبرمان» الذين سودوا صفحات جرائدهم وعدد من الجرائد العالمية بقدرته على فعل المعجزات، كأداة فى الحرب النفسية ضد مصر والعرب بعد نكسة يونيو 67.
لكن بين سطور الاعترافات والأسرار نتوقف عند عزيمة وقدرة وقوة الجندى المصرى على الإبداع فى القتال أثناء المواجهة الحقيقية على أرض المعركة حتى تصور بعض هؤلاء القادة أن من يحاربهم فوق رمال سيناء «أشباح وعفاريت» وليسوا بشرا من دم ولحم آمنوا بربهم وبوطنهم وصمموا على النصر أو الشهادة فى حرب الشرف والكرامة.
فى شهادة إسرائيلية عن إحدى المعارك التى قادتها الكتيبة 35 فهد بقيادة المقدم البطل عبدالجابر أحمد على والتى دمرت 140 دبابة إسرائيلية يحكى قائد مدرعات إسرائيلى اسمه بارى شامير عن لحظات الرعب والجحيم فى مواجهة «عفاريت عبدالجابر» -وهو الاسم الذى أطلق على الكتيبة 35 خلال فترة الحرب- فيقول: «كنا سعداء ومطمئنين عندما اكتشفنا أن الأهداف التى تواجهنا هم رجال المشاة وليست المدرعات. كان ذلك بالنسبة لنا مفاجأة مطمئنة.
حتى إن أحد رفاقى فى الدبابة قال بصوت عالٍ إن هذا انتحار من جانبهم، إن المصريين ينتحرون بهذه الطريقة.
ما إن بدأت المعركة حتى تصورنا أنه ما دام شريط المدفع الرشاش فى الدبابة يفرغ الرصاص فإن الجنود المصريين يسقطون فوق الرمال، ولكننى لاحظت أن حركتهم الجماعية لا تهدأ أو تتوقف، كانوا كالعفاريت.
لم أنتبه لما يحدث، كنت منهمكا فى إلقاء قذائف المدفع الفارغة إلى الخارج، وشعرت فجأة بالنار تشتعل فى مؤخرة المدفع، واعتقدت فى البداية أن قذيفة انفجرت فى بيت النار، ولكننى شعرت آنذاك بحرق فى ذراعى، واستطعت أن ألقى بنفسى إلى الخارج من المؤخرة التى كانت لحسن الحظ مفتوحة، وتدحرجت بضع مرات على الرمال.
اشتعلت النار فى دبابتى، وشاهدت قذائف نارية مشتعلة تتنزه فى الصحراء، وهى تنطلق من قلب الرمال.
اقتربت مع رفاقى الذين كانوا قد قفزوا معى من دبابتنا المشتعلة وأنزلنا منها جالون الماء وانتزعنا المدفع الرشاش من برجها وحملنا معنا القنابل اليدوية وقنابل الدخان، وكانت أيدينا كلها قد أصابتها الحروق، كنا مذهولين، وبكى رجل المدفع وكنا لا نزال عاجزين عن فهم ما يحدث، اختبأنا خلف تلال الرمال، وكنت أفكر طول الوقت فى هذا الصاروخ الغامض، لم أكن أعرف بعد ماذا يسمونه، ولا أنه عندما يخترق الدبابة يولد موجة من الحرارة تزيد على 1000 درجة مئوية، وأنه يدمر أجهزة الدبابة، وإحراق كل من يجلس فيها.
يعترف شامير فى النهاية «لم يكن حظ الدبابات الأخرى فى سريتى بأفضل من حظنا، لقد تم تدمير كل دبابات السرية». هذا ما فعله فى الصهاينة «عفاريت عبدالجابر» أو جنود اللواء متقاعد حاليا عبدالجابر أحمد على، وكان منهم محمد عبدالعاطى، صائد الدبابات الذى دمر وحده 23 دبابة بصواريخ الآر بى جى والساجر. وهذه هى اعترافاتهم التى تسجل المعجزة العسكرية للجندى المصرى فى أكتوبر 73.