نعانى فى مصر من أزمة حادة فى بحوث ودراسات الإعلام، ومع ذلك لا يعترف بها الأساتذة والباحثون، باستثناء أقلية نادرة ومحدودة منهم ترصد وتناقش مظاهر تلك الأزمة، ومخاطرها على واقع ومستقبل الإعلام كمهنة ومجال بحثى يحظى بأهمية بالغة، وقدرات تأثيرية كبيرة فى المجتمع، وفى تشكيل وتسويق صورة مصر فى الداخل والخارج. وفى حدود مساحة المقال أناقش ثلاثة مظاهر لأزمة بحوث الإعلام أرجو أن تكون موضوعات لندوات أو حلقات نقاش للبحث فى كيفية إيجاد الحلول المناسبة لها، وهى:
أولاً: التأخير عن ملاحقة الظواهر الإعلامية الجديدة ودراستها، فمعظم بحوث الإعلام تختار موضوعات قديمة واعتمادا على عينات غير ممثلة للمجتمع، وبالتالى فإن نتائجها تكون غير قابلة للتعميم، خاصة أن الظاهرة أو موضوع الدراسة تكون قد تغيرت ملامحه نتيجة التطور التكنولوجى السريع فى مجال الاتصال والإعلام، وسأعطى هنا مثالا على عشرات البحوث ورسائل الماجستير والدكتوراه التى سجلت فى الجامعات، أو أعلن أصحابها عن البدء فيها قبل عامين: عن التأثير السياسى للفيس بوك بعد الثورة، وحتى الآن فإن أغلب هذه البحوث لم تنجز، والبعض الآخر ظهرت نتائجه لكنها بعيدة عن واقع المصريين وأوضاع الفيس بوك حاليا، التى تغيرت كثيرا نتيجة التطورات السياسية وانتشار الهواتف الذكية خلال العامين الأخيرين، والأدهى أن نتائج تلك البحوث اعتمدت على عينات تحليلية أو عينات من الجمهور لا تمثل المجتمع.
ثانياً: نقص وربما غياب التمويل المؤسسى عن البحوث والدراسات الإعلامية، وبالتالى فإن أغلب الأبحاث والدراسات التى تنشر هى تعبير عن مجهودات شخصية وإمكانيات محدودة أو فقيرة لباحثين شباب يسعون للحصول على الماجستير أو الدكتوراه أو الترقية لدرجة الأستاذية، ولا شك أن نقص التمويل يدفعهم إلى اختيار موضوعات جزئية، ومحدودة، واستخدام عينات محدودة لا تمثل المجتمع، ومن ثم تظل نتائج بحوثهم على أهميتها غير قابلة للتعميم، وطبعا لا يستفيد منها المجتمع. وللأسف فإن مراكز البحوث العلمية أو اتحاد الإذاعة والتليفزيون والجامعات لا توفر التمويل اللازم لإجراء بحوث قومية وممتدة على مدار سنوات لدراسة الظواهر الإعلامية، أما الجهات الأجنبية أو الدولية التى تقدم تمويلا لإجراء بحوث إعلامية فإنها تضع شروطا خاصة بها وبأجندة اهتمامها، بينما لا تهتم معظم القنوات الفضائية الخاصة وبقية المؤسسات الإعلامية بإجراء بحوث ومسوح للجمهور ولتطوير الأداء، وإذا قامت بعض المؤسسات بهذه البحوث فإنها تخضع لاعتبارات تجارية، كما لا تنشر وتظل سرية حتى تنفرد بها الجهة الإعلامية التى وفرت التمويل اللازم، وهنا فإن السرية فى ظل عدم وجود مواثيق شرف لإجراء البحوث تثير مشاكل كثيرة منها تزوير النتائج وسوء استغلالها ضد مصالح الجمهور.
ثالثا: ندرة التجديد والابتكار فى بحوث الإعلام، حيث تسود النمطية والتكرار فى أفكار الأبحاث والنظريات والمناهج والأدوات المستخدمة فيها، وتتشابه الموضوعات وتتخذ شكل الموجة الواحدة «أو الموضة» التى تؤثر فى جماعة أساتذة وباحثى الإعلام، ويتنافسون على تقليدها، فنجد مثلا انبهارا واستخداما مفرطا لنظرية الاستخدامات والإشباعات وكأنه لا يوجد غيرها، أو سباقا محموما لدراسة الفيس بوك وتويتر وأشكال الإعلام الجديد، وبالتالى تتشابه الموضوعات، أو يكون بينها اختلافات محدودة للغاية، والمدهش أن معظم البحوث تعتمد على أطر نظرية ومناهج وأدوات بحثية متشابهة، وتستخدم فى بحث الظواهر الإعلامية فى الصحافة المكتوبة والإذاعة والتليفزيون، أى أنهم يستخدمون نظريات ومناهج وأدوات لا تصلح لدراسة الإعلام الجديد، ومع ذلك يتسابق الجميع «سباق غير محمود» لإنجاز هذه الدراسات، ونيل درجات الماجستير والدكتوراه، مع إهمال لبقية الموضوعات والظواهر الإعلامية، حتى إنه من النادر العثور على بحث فى تاريخ الإعلام أو مستقبل الإعلام، أو مصادر تمويل وإدارة المؤسسات الإعلامية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة