محمد أبو حامد

خواطر حول تجديد الخطاب الدينى «21»

الأحد، 12 أكتوبر 2014 03:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المرأة ليست عورة
من القضايا الاجتماعية التى أصابها الكثير من العطب فى مجتمعاتنا العربية قضية المرأة، وبعيداً عن الشعارات التى يطلقها البعض حول حقيقة رؤية الإسلام للمرأة يجب علينا أن نعترف أن هناك ارتباطا وثيقا بين الفهم الخاطئ للدين والذى غالباً ما يكون متعمدا بمعنى أن هناك من يريد منّا أن نفهم الدين فهماً خاطئاً فى قضايا معينة ويخطط لذلك وفى مقدماتها قضية المرأة وبين الخلل الذى أصاب فهمنا لقضايا المرأة فهناك الكثير من الأحاديث الضعيفة أو المكذوبة التى نسبت لرسول الله وساهمت بصورة واضحة فى إحداث تميز سلبى ضد المرأة نتج عنه الكثير من المشاكل سواء على المستوى السياسى أو الاجتماعى أو الاقتصادى، ولعل أول من انتبه إلى ذلك فى عصرنا الحديث وكانت له الريادة فى الدفاع عن المرأة ورفع ما أصابها من ظلم الأستاذ قاسم أمين فى كتابَيْه: «تحرير المرأة» و«المرأة الجديدة»، وعلى الرغم مما تعرض له قاسم أمين من حملات تشويه وتكفير من الجماعات المتطرفة إلا أن ما فعله كان محكوماً بأمرين أولهما الدفاع عن الإسلام المفهوم من مصدريه الرئيسيين القرآن والسّنة، والآخر الاعتذار عن تخلّف بأنه من تقاليد غريبة على التوجيه الإلهى ناشئة عن أخطاء الشعوب، ويكفى أن نعرف أن كتابات قاسم أمين هذه كانت فى إطار المبارزة الفكرية التى خاضها مع الخصم الفرنسى «دوق داركور» الذى أصدر سنة 1893 كتاباً عنوانه «مصر والمصريون» تناول فيه حياة المجتمع المصرى أيام الحكم المملوكى والتركى، وهى فترة بلغت ستة قرون عجاف تراجعت فيها خصائص الحضارة والحياة عند جمهرة الأمة الإسلامية وكانت بعيدة كل البعد عن حقيقة الإسلام، مما جعل «دوق داركور» يرسم صورة قاتمة وبذيئة للشعب كله، ويخص المرأة بمزيد من التجريح والزراية ويرد ذلك كله إلى طبيعة الإسلام، فسارع قاسم أمين إلى تأليف كتاب بالفرنسية فنّد فيه أقوال خصمه، وشرح حقوق المرأة فى الإسلام، وما كفله الدين لها من كرامة مادية وأدبية.

و قد ربط قاسم أمين فى كتابته بين تخلف المرأة وعبوديتها وبين سيادة النظم المستبدة، فلا الإسلام ولا طبيعة وخصائص المرأة هى التى ميزت بين الرجال وبين النساء وقسمت شؤون الحياة بينهم تلك القسمة غير العادلة وإنما هو الاستبداد الذى جعل من المرأة إحدى فرائسه يقول قاسم أمين: «إن مبدأ تشكيل الحكومة كان على صورة العائلة، والحكومة التى تؤسس على السلطة الاستبدادية لا ينتظر منها أن تعمل على اكتساب المرأة حقوقها وحريتها، فهناك تلازم بين الحالة السياسية والحالة العائلية فى كل بلد، ففى كل مكان حط الرجل من منزلة المرأة وعاملها معاملة الرقيق حط بنفسه وأفقدها وجدان الحرية، وبالعكس، فى البلاد التى تتمتع فيها النساء بحريتهن الشخصية يتمتع الرجال بحريتهم السياسية، فالحالتان مرتبطتان ارتباطاً كلياً، وآن للسائل أن يسأل: أى الحالتين أثرت فى الأخرى؟ نقول: إنهما متفاعلتان، وإن لكل منهما تأثيراً فى مقابلتها، وبعبارة أخرى: إن شكل الحكومة يؤثر فى الآداب المنزلية والآداب المنزلية تؤثر فى الهيئة الاجتماعية، انظر إلى البلاد الشرقية، تجد أن المرأة فى رق الرجل، والرجل فى رق الحاكم، فهو ظالم فى بيته مظلوم إذا خرج منه».

وكما قال الشيخ الغزالى المعاصر، رحمة الله عليه، فإنه على الرغم من عظم الضجة وضخامة الرفض اللذين قوبلت بهما صيحات قاسم أمين، فإن مطالبه كانت متواضعة بل شديدة التواضع إذا قيست بما يجب لتحرير المرأة حقاً من إنجازات وإصلاحات، بل إن مطالبه كانت أقرب إلى ما يسمى بتصحيح المفاهيم، فعلى سبيل المثال فى قضية الحجاب: لم يطالب قاسم أمين بسفور المرأة كما ادّعى جماعات التطرف وإنما طالب فقط بكسر أسوار عزلة المرأة عن المجتمع حيث يقول: «ربما يتوهم ناظر أننى أرى الآن رفع الحجاب بالمرة، لكن الحقيقة غير ذلك، فإننى لا أزال أدافع عن الحجاب، وأعتبره أصلاً من أصول الآداب التى يلزم التمسك بها، غير أننى أطلب أن يكون منطبقاً على ما جاء فى الشريعة الإسلامية، وهو على ما فى تلك الشريعة يخالف ما تعارفه الناس عندنا، لما عرض عليهم من حب المغالاة فى الاحتياط، والمبالغة فيما يظنونه عملاً بالأحكام، حتى تجاوزوا حدود الشريعة وأضروا بمنافع الأمة، والذى أراه فى هذا الموضوع هو أن الغربيين قد غالوا فى إباحة التكشف للنساء إلى درجة يصعب معها أن تتصون المرأة من التعرض لمثارات الشهوة، ولا ترضاه عاطفة الحياء، وقد تغالينا نحن فى طلب التحجب والتحرج من ظهور النساء لأعين الرجال حتى صيّرنا المرأة أداة من الأدوات أو متاعاً من المقتنيات، وحرمناها من كل المزايا العقلية والأدبية التى أعدت لها بمقتضى الفطرة الإنسانية، وبين هذين الطرفين وسط هو الحجاب الشرعى، وهو الذى أدعو إليه «فهذا هو موقف قاسم أمين الذى تعرض للتكفير هو فقط يدعو إلى التقيد بحدود الشرعية، ومعلوم أن الحجاب الشرعى عند جميع الفقهاء هو كشف المرأة وجهها وكفيها، ومؤخراً ظهرت بعض الأبحاث المعتمدة من الأزهر تناقش حكم هذا الحجاب الشرعى نفسه، هل هو واجب أم مستحب؟»، وعلى الرغم من ذلك ما زال بعض الدعاة يدّعى أن وجه المرأة عورة ويوجب عليها النقاب مستنداً على أدلة ضعيفة مردودة أو فهم خاطئ لبعض الأحاديث يتعارض مع الكثير من الأدلة سواء من القرآن أو السّنة، ومن هذه الأحاديث المغلوطة: ما رواه الترمذى وغيره وقال حديث حسن غريب من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان» فهذا الحديث وعلى الرغم من وجود الكثير من الشبهات حول صحته سواء من ناحية السند أو من جهة المتن، وعلى الرغم من الآثار الكارثية التى ترتبت عليه سواء على المستوى النفسى أو الاجتماعى أو السياسى والاقتصادى، وكونه من أهم الأسباب التى أدت إلى انتشار جرائم العنف ضد المرأة، إلا أنه ما زال من الأدلة الأساسية التى اعتمد عليها بعض الدعاة والعلماء ممن أوجب على المرأة ارتداء النقاب، ودعا إلى شبه عزلتها اجتماعياً وحرمها من جميع حقوقها، وإن هناك الكثير من الأدلة سواء فى القرآن أو السنة التى تعارض هذا الفهم وترده ومنها على سبيل المثال:

قول الله فى سورة النور آية 30: «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ» فإذا كانت الوجوه مغطاة فممّ يغض المؤمنون أبصارهم؟، فالغض يكون عند مطالعة الوجوه بداهة، ولذلك دعيت النساء أيضاً إلى غض البصر عن الرجال فى نفس السورة آية 31: «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ»، فالمقصود بالغض هنا غض النظرة الشهوانية التى تدعو الإنسان إلى ارتكاب جرائم مثل التحرش وغيره، وهذه النظرة لا علاقة لها بطبيعة المرأة أو طبيعة الرجل، وإنما لها ارتباط وثيق بفساد نفس وطبيعة الناظر رجلاً كان أو امرأة، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعلى رضى الله عنه: «يا على لا تتبع النظرة.. النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة»، وهو يتكلم هنا أيضاً عن النظرة الشهوانية، وليس المقصود مطلق النظر وهو حتمى فى المعاملات اللازمة لتحقيق مصالح الحياة المختلفة.

ولذلك أرى أنه لا يصح إطلاق لفظ عورة بما له من دلالة قبيحة فى فهم معظم الناس وما ترتب عليه من آثار كارثية بصورة مطلقة على المرأة وكأنها صفة ملازمة لها، والقرآن لم يرد فيه وصف المرأة بأنها عورة، حتى فى الآيات التى دعا فيها المرأة إلى الاحتشام لم يجعل علّة ذلك أنها عورة، وإنما أكد أن السبب والهدف هو: حماية المرأة من الأذى والشر الذى من الممكن أن تتعرض له نتيجة لفساد ومرض بعض الرجال.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة