ناجح إبراهيم

فكر د. العوا فى الصراع بين عبد الناصر والإخوان

الأحد، 12 أكتوبر 2014 03:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نستكمل اليوم ما بدأناه سابقاً فى الحديث عن فكر د. سليم العوا الذى غفل عن أهميته الكثيرون تحت وقع ضربات الصراع السياسى الحالى فلم يستفيدوا من علم الرجل وفقهه وحاسبوه على بعض المواقف السياسية الضيقة.

وقد تحدثنا فى المقال السابق عن إضافاته القيمة إلى مقاصد الشريعة الخمس المعروفة وتحدثنا عن تصديه لبدعة غلق باب الاجتهاد وإصراره على أن الاجتهاد الشرعى ليس له باب يغلق ولا دار تهدم.. وأنه سيبقى مفتوحاً ما بقى الليل والنهار ما دامت حاجات الناس إلى تجدد الفقه مع تجدد المسائل المستحدثة
واليوم نتناول فكر د. سليم العوا فى المسائل الآتية:

أولاً : ثورة يوليو والإسلام:

أوضح د. العوا رأيه فى هذه المسألة الشائكة فى كتاب خاص ويمكننا إبراز رأيه فى النقاط الآتية:
1 - التعصب آفة تعمى عن كل فضيلة عند الكراهية وتغضى عن كل رذيلة عند الحب: وهى شائعة فى الشرق عامة وفى مصر خاصة.

2 - من أشد صور التعصب السياسى فى العصر الحديث تعصب كثير من أتباع ثورة يوليو والناصريين لها وتعصب كثير من الإسلاميين ضدها.. فالأولون رفعوا الثورة عن كل نقيصة ونزهوا زعيمها عن كل عيب والآخرون وصفوها بكل الشرور وألصقوا بها كل النقائص وسلبوها كل مميزاتها.. وكلا الرأيين يصب فى خانة التعصب المذموم مع أو ضد الثورة وعبدالناصر.. ولا فلاح لأمة تصنع بالتعصب أخلاق رجالها ونسائها.

3 - الصراع الذى وقع بين ثورة يوليو والإخوان المسلمين هو صراع سياسى وليس صراعاً على الدين أو العقيدة أو الإيمان.. فلا الإخوان كفروا الثورة ولا الثورة كفرت الإخوان.. ولكن الثورة اتهمت الإخوان بالمروق السياسى.. والإخوان اتهموا عبدالناصر بخيانة العهد.. ولا شىء فوق ذلك.

4 - انتهى الصراع السياسى بين الفريقين لمصلحة الدولة التى ملكت عناصر القوة التى لا تمتلكها الجماعة أو ملكت شيئاً منها ولم ترد استعمالها.

5 - أفضى كلا الفريقين إلى ربه وقدم لوطنه ما رأى أنه الحق والصواب من وجهة نظره وسوف يجزى الله كلا بما قدم ونوى.. ونحن ندعو الله لهم جميعاً بما يستحقه المسلمون من الدعاء بالرحمة والمغفرة ومضاعفة الحسنات والتجاوز عن السيئات.

6 - إن عبدالناصر لم يكن مناهضا للإسلام.. بدليل ما كتبه فى فلسفة الثورة عن دوائر الانتماء المصرى الثلاث العربية والإفريقية والإسلامية وكتب يقول «دائرة إخوان العقيدة الذين يتجهون معنا أينما كان مكانهم تحت الشمس إلى قبلة واحدة وتهمس شفاههم الخاشعة بنفس الصلوات».

7 - هناك أشياء قامت بها الثورة ظاهرها الخصومة مع الإسلام مثل إلغاء المحاكم الشرعية وإلغاء الوقف الأهلى وجمع الوقف الخيرى تحت إدارة الحكومة وإقرار قانون الأزهر الذى جعل الأزهر تحت سيطرة الحكومة وخاضعا لها.

وقد تحدث الدكتور العوا عن هذه القضايا باستفاضة يضيق عنها هذا المقام.

ثم تحدث عن أشياء قامت بها الثورة نصرة للإسلام مثل الوحدة العربية وإنشاء إذاعة القرآن الكريم وإرسال البعثات الإسلامية للدعوة فى إفريقيا وآسيا وما شابه ذلك.
وهكذا استفاض الدكتور العوا فى شرح العلاقة بين الثورة والإسلام ليخلص لحقيقة أنه لم يكن للثورة صراع مع الإسلام.. ولكنها كانت فى حالة صراع سياسى على السلطة بينها وبين الإخوان.. حيث اعتقد كل فريق منهما أنه الأجدر والأولى بحكم البلاد.
ثانيا: رأيه فى فتاوى الفضائيات: يختلف الدكتور العوا مع الدكتور القرضاوى وغيره فى إباحة الفتاوى عبر القنوات الفضائية أو ما عرف مؤخراً بالفتوى على الهواء.. وقد أجاز هؤلاء العلماء هذه الفتوى تيسيراً على السائلين.

ولكن الدكتور العوا رفض هذا الرأى ورأى أن مثل هذه الفتاوى تشيع المفاسد فى المجتمع.. حتى وإن كانت من علماء ثقات.

ويعلل الدكتور العوا رأيه بقوله: «لابد للمفتى أن يرى السائل الذى يستفتى وعليه أن يستفسر بكل ما يحيط بسؤاله.. وهو ما لا يتوفر بأى شكل من الأشكال لفتاوى الهواء أو التليفون أو شريط الأخبار.. خاصة وأن هناك قاعدة فقهية تقول إنه لا يجوز للمفتى ترك الاستفسار ويكون الاستفتاء على حسب الحالة المشاهدة أمامه.. لذلك نرى أنه لا يجوز الفتوى على الهواء لأن مثل هذه الطريقة فى الفتوى تؤدى إلى مفاسد أكثر مما تؤدى إلى مصالح».

ثالثا: التقريب بين السنة والشيعة:

1 - التقريب لا يكون بين المذاهب.. ولكن بين أبناء المذاهب فأنا لا أريد تغيير قاعدة أو مسألة فى مذهب فأنا حنفى لا أطلب من مالكى أن يغير مسألة من مسائله.. وهذا الذى أفعله مع الشيعة الإمامية ومع غيرهم من المذاهب وإنما أطلب منه أن يقدر وجهة نظرى ويعرف أن لى فهما مختلفا عن فهمه.. وأن نظرى فى الدليل مختلف عن نظرته.. أما التقريب بين المذاهب نفسها إن لم يكن مستحيلاً».. هكذا يقول العوا.
2 - ميز الدكتور العوا بين الفرقة والمذهب: فالفرقة كل جماعة من المسلمين اتخذت لنفسها مذهبا فى بعض العقائد الكلية أو التفصيلية.

أما المذهب فهو بناء فقهى فى الأساس وليس عقائديا.
3 - الشيعة الإمامية الإثنى عشرية هى الفرقة التى ينتمى إليها أكثر شيعة إيران والعراق ولبنان وسوريا ودول الخليج.. وقد امتد تأثيرها بعد ثورة الخمينى إلى أفريقيا وآسيا.. ومذهبهم الفقهى هو مذهب جعفر الصادق وهو أستاذ أبو حنيفة ومالك.

4 - الجوامع بين السنة والشيعة عند د. العوا هى الإيمان بالله تعالى رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا والإيمان بالقرآن الذى بين أيدينا من سورة الفاتحة إلى سورة الناس.

وأشار إلى أن علماء الشيعة الاثنى عشرية ردوا على كتاب «فصل الخطاب فى تحريف كتاب رب الأرباب»، وكذلك مثل مصحف فاطمة.. وساق هذه الردود فى كتابه «العلاقة بين السنة والشيعة».
5 - هناك عقائد للشيعة لا يقرها أهل السنة وهى أساس للخلاف بينهما.

أ - اعتقاد الشيعة الاثنى عشرية أن الإمامة أى الحكم منصب إلهى يثبت لصاحبه بالنص من النبى لعلى بن أبى طالب.. ثم إلى كل إمام بعده حتى يصل إلى الإمام العسكرى.. فالمهدى المنتظر.
وهذا كلام لا أصل له عند أهل السنة ولكن هناك من الشيعة الاثنى عشرية من نقض هذا الاجتهاد ومنهم على سبيل المثال لا الحصر محمد مهدى شمس الدين الذى نص على «ولاية الأمة على نفسها» وكذلك الكثير من فقهائهم.
ب - ومن عقائدهم التى يرفضها أهل السنة عصمة الإمام.. فأهل السنة لا يرون عصمة لأحد بعد النبى صلى الله عليه و سلم وهى لم تثبت لغير الأنبياء.

ج - التقية.. وهى أن يظهر المسلم الشيعى غير ما يبطن دفاعاً عن نفسه واتقاء لخطر لا يقدر على دفعه.
ويذهب بعض علماء الشيعة إلى أن التقية لا تجوز إلا إذا كان الأمر متعلقاً بضرر يقع على النفس أو الغير بقوله تعالى «إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً».

د - أما أعقد المشاكل بين السنة والشيعة هى سب الصحابة وقد قال د. العوا «إن سب الصحابة هو مسلك عند بعض الشيعة وليس عقيدة».. وإن الاثنى عشرية ليس من أدبياتهم سب الصحابة.. وإن الخمينى أصدر فتوى فى أول ثورته يكفر فيها من يلعن الصحابة».

وقد تحدث د. العوا طويلاً عن محنة سب الصحابة، وقال إن المؤمن ليس ساباً أو لعاناً.. وإذا كان القرآن قد نهى عن سب الذين يدعون من دون الله فكيف يجوز لأحد أن يسب وزراء النبى وأصحابه.. فالذى اصطفى النبى هو الذى اصطفى زوجاته وأصحابه ووزرائه.. فكيف يسب مسلم أبا بكر وعمر وهم من أصفياء الرسول صلى الله عليه وسلم فى الحياة وإلى جوار قبره فى الممات ولا يزوره مسلم إلا وزارهما.
والخلاصة أن هذه القضايا الخمس تمثل قاعدة الخلاف النظرى بين السنة والشيعة.. واعتقد الجميع أنها إذا حلت لانتهت أكثر القضايا الخلافية العملية بينهم.

ولعل الدكتور العوا يعيش الآن حال تحول المنطقة من الصراع العربى ــ الإسرائيلى إلى الصراع السنى ــ الشيعى المحتدم فى كل مكان والذى حقق كل أهداف خصوم الإسلام والعرب والمسلمين.
ولعل هذا يعطى سبباً إضافياً لحل هذا الصراع المحتدم بين السنة والشيعة وإيجاد صيغة للتعايش السلمى والحوار الهادف إذا لم تكن هناك وسيلة لإذابة الخلافات.

وإذا كان السنة والشيعة قد عاشا سوياً مع اليهود والمسيحيين والآخرين فى سلام ووئام.. فما المانع أن نعيش سوياً حتى وإن احتفظ كل منهما بفكره ورأيه ومذهبه العقائدى والفقهى؟!

أم من الضرورى أن يفنى أحدهما الآخر حتى نريح كل خصومنا ونقدم كل أوطاننا غنيمة باردة لأعدائنا؟








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة