انتخابات مجلس الشعب على الأبواب، والقوى الإسلامية تخطط وتنفذ، وتقذف بكرات اللهب - وتستثمر أخطاء الجميع.
ومنذ أزمة كاميليا شحاتة، ووفاء قسطنطين، أصبحت حوادث اختفاء المسيحيات شبه مستمرة لا تختلف فى تفاصيلها، وكل ما يختلف فقط أسماء أطرافها، تكثر الأقاويل وتمتلئ ساعات «التوك شو» بالأحاديث عن السيدة المختطفة من وجهة نظر، والداخلة فى العقيدة الإسلامية، وفارة من هول ما قد يلاقيها نتيجة إيمانها الجديد من وجهة نظر أخرى، ويقع المصريون جميعا مسيحيين ومسلمين فى حالة من السجال، وتزداد حالة الاحتقان خاصة بعد تدخلات من أطراف منتفعة، تتعايش باحتقان مصر، أما الجديد فى حادثة أزمة قرية جبل الطير، أنها كشفت عجز الداخلية والكنيسة والمجتمع المدنى عن إدارة الأزمات، حادثة تحدث كثيرا أو قل معتادة، اختفاء سيدة وأم لخمسة أولاد وبنات كالعادة، أسرع الأهل بتحرير محضر اختفاء، وبعدها تم «إعلاء العار الطائفى على العار الاجتماعى»، تظاهر أهل القرية أمام نقطة الشرطة، تصادم الشباب المتحمس مع أفراد الشرطة، تبادلوا القصف بالحجارة، وتحطم زجاج سيارة من سيارات الشرطة، بالليل وبطريقة غير مسبوقة هجمت تجريدة من الشرطة على القرية، كسرت وأتلفت من النفوس أكثر من الأشياء المادية التى تعوض، وفجأة وجدنا أنفسنا أمام مخاطر تهدد المجتمع المصرى، حدث ذلك فى الوقت الذى كانت فيه الكنيسة والمواطنون المصريون الأقباط فى ولاية نيويورك والولايات القريبة منها يتأهبون بكل قوة للحشد للاحتفاء والاحتفال بالرئيس السيسى، ونجحوا فى صد نزول الإخوان المناهض للرئيس، أما فى المنيا فكان أقباط المنيا والصعيد يتألمون لما حدث من اعتداءات «همجية» على أهل القرية!! وهكذا انقسم الرأى العام المسيحى وعلى سبيل المثال كتب الناشط الدكتور مجدى خليل حينذاك: (سنذهب للترحيب بالسيسى ودعمه فى مواجهة الإخوان، وسنعرض ملف كامل لمحنة الأقباط وخاصة فى الصعيد بالمنيا وأسيوط وقنا وأسوان وغيرها من مدن وقرى الصعيد، وإن لم يستجب الرئيس السيسى ويرفع المعاناة عن الأقباط، سنصعد الموضوع إلى أقصى مدى دوليا.
لقد دعمنا الدولة وساندناها على مدى السنوات الأربع الماضية، أما وأن تتركنا الدولة كبش فداء لصراعها مع الإخوان فهذا لن نقبله أبدا، كما أدانت الهيئة القبطية الهولندية فى بيان لها وبشدة الهجوم المتطرف والممنهج من قبل قوات الأمن والشرطة بمحافظة المنيا، والتى قامت من خلاله بسلب ونهب وإتلاف منازل ومحلات وممتلكات الأقباط فى جبل الطير.
الدولة تتدخل والأزمة تحل:
فجأة قفز إلى القضية العديد من النشطاء الأقباط من «الصائدين فى الماء العكر» استغلوا الموقف لأغراض انتخابية، ذهبوا إلى وزير الداخلية ومعهم أسقف مغاغة الأنبا أغاثون غير المتصل بالقضية، واثنان من الكهنة الآباء يؤانس واسطفانوس، ولم يسفر اللقاء سوى عن تبادل الود، ووعود بحل المشاكل ونتيجة تدخلات أخرى من حكماء لدى صناع القرار «الكبار» عادت السيدة فى هدوء، ولكن أحد المحامين «الطائفيين» الصائدين فى المياه العكرة فى انتهازية مفرطة، دفع بالسيدة إلى الإدلاء بتصريحات غير دقيقة أدت إلى قلق وزير الداخلية، ومسؤولين آخرين (الغريب أنهم هم من رتب اللقاء مع الوزير، وأشاعوا أنهم من أعادوا السيدة، ثم انقلبوا على الوزير فى لمح البصر؟!! وفجأة قفز إلى سطح الأحداث محام من الناشطين الشباب ورفع قضية على الوزير؟
أين الكنيسة؟
طوال هذه الفترة لم تصدر الكنيسة (المتحدث الرسمى) الأب بولس حليم أى بيانات، وكذلك المطران المحلى المسؤول الأنبا بفنتيوس، وبعد أن ارتفعت حرارة الموقف، أصدرت مطرانية سمالوط بيانا مقتضبا : (تناشد مطرانية الأقباط الأرثوذكس بسمالوط الجميع إغلاق ملف السيدة إيمان مرقص صاروفيم إعلاميا، حرصا على سلامة المجتمع وحفاظا على أسرتها التى عادت إليها بكامل إرادتها ونرجو التوقف عن الحديث عن هذا الأمر وتركه للقنوات الشرعية للدولة.
هكذا تعرضنا لمأساة مكتملة المعالم اختفاء سيدة وفجأة عودتها، وبينهما صدام بين الشرطة وأهل القرية، عقاب جماعى من الشرطة للقرية، غليان قبطى وإصدار العديد من الناشطين والمنظمات القبطية بيانات غاضبة يصيد المشتاقون فى الماء العكر.. يلتقون بوزير الداخلية، يعتذرون ثم يهاجمون بطريقة «كاذبة وتحريضية»، يغضت الوزير ويندهش ثم يعتذر أهل السيدة، ورسميا لم يصدر بيان واحد يشرح ماذا حدث؟ ما السبب الذى جعل القضية تنتهى والسيدة تعود، والكنيسة تطالب بإغلاق الملف وعدم فتحه على الإطلاق، أين حق الشعب بمسيحييه ومسلميه الذين إنتفضوا للمطالبة بعودة السيدة، أين الشفافية يا سادة؟ أين الحق فى المعلومات والمعرفة اللذين من شأنهما أن يقللا الاحتقان بين المصريين؟ فبكل تأكيد رد الفعل أمام الاختطاف سيكون مغايرا تماما عن رد الفعل أمام ترك المنزل لمشاكل عائلية، ورد الفعل أمام مختطفة غير رد الفعل أمام سيدة حرة، قررت أن تترك ما هى عليه، وعليه فاقدم لكم عدة ملاحظات يجب ذكرها.
أولا: أين ما يسمى فى الكنيسة بلجنة إدارة الأزمات؟ التى لم نسمع أنها تحركت أو جمعت أى معلومات، وأؤكد أنه حتى عودة قداسة البابا ونيافة الأنبا بولا، لم يكن لدى أى مسؤول كنسى أى معلومات حقيقية عن القضية التى كادت تفجر عنفا طائفيا فى سمالوط والمنيا؟ ثانيا: مع احترامى لتعيين قداسة البابا لكاهن محترم كمتحدث رسمى فالتجربة فشلت ليس لكفاءة الكاهن، وإنما لأنه كاهن «رتبة أقل من الأساقفة» لذلك ينتظر دائما صدور تعليمات وربما بيان لنشره، وهذا غير مجد وخطر. ثالثا: منظمات المجتمع المدنى القبطية أو المهتمة بالشأن القبطى عجزت عن أن تملأ الفراغ الذى كانت تملأه الكنيسة، بل البعض منها روج عن غير قصد معلومات غير دقيقة، وربما تواطأ البعض الآخر فى «تسييس» أو «تديين» قضية ذلت بعد اجتماعى بالأساس.
أما رابعا فهو قيام بعض النشطاء الأقباط خاصة من المحامين بأعمال غاية فى النفاق والانتهازية، مرت على الكنيسة والمجتمع المدنى دون حساب أو حتى لوم، رغم أنها هددت ولا زالت سلامة وأمن المجتمع؟
خامسا: تأخر الأحزاب فى إصدار أى بيانات (باستثناء المصريين الأحرار والمصرى الديمقراطى الاجتماعى والإصلاح والتنمية)، وبعد أسبوع من الصدام، ولكن خيرا من عشرات الأحزاب التى لم تفعل شيئا رغم الركض خلف المرشحين الأقباط؟ سادسا: عدم إصدار وزارة الداخلية أى بيان لتوضيح موقفها حتى منتصف أكتوبر، الأمر الذى يسمح بمزيد من الشائعات وتأزم الرأى العام. سابعا: لهذا كله غابت الشفافية وثبت أن غياب الرئيس والبابا حينذاك شل القدرات البيروقراطية للدولة والكنيسة؟!! (هذا حقيقى)، كما أن النشطاء الأقباط ليس لهم «كبير» ولا خبرات حقيقية فى إدارة الأزمات (وينطيق عليهم المثل: «زغرتى ياللى منتيش غرمانة») ناهيك عن المحامين الانتهازيين منهم والذين يرقصون على جثث الضحايا، وشرف الولايا من أجل كرسى فى البرلمان أو صورة مع وزير؟
لذلك كله أطالب بالعديد من الخطوات اللازمة للوصول إلى حالة الاستقرار المنشود فى المجتمع المصرى، أهمها إصدار قانون الحق فى المعلومات المنتظر الذى فى ظل وجوده سيتسنى للناس معرفة الحقائق دون أن تصل الأمور لهذا الاحتقان، وكذلك قانون بناء دور العبادة، والعديد من الإجراءات أهمها الإسراع بعودة لجان النصح والإرشاد حتى ينعقد البرلمان ويسن قانون «التحول الدينى»، هذه الإجراءات والخطوات غيابها تسبب فيما يقرب من %90 من الحوادث الطائفية فى مصر.