يصعب على أى عاقل أن يترك كرامته وسمعته رهنا لـ«سى دى» مسرب، أو تسجيل مسروق أو صورة مختلسة، تتحول لفضيحة بمجرد أن تقع فى يد شخص يملك القدرة عل استفزازك، ثم يجذبك لعراك يتسلح هو بخبايا القانون، مخترقا ثغرات الحقوق الشخصية ومبادئ الحريات، وتتمترس أنت بالغيظ، ولا شىء أصعب من أن يقتنع الناس بأن السب والمشاتمة هما الأسلوب الأمثل لاسترداد الحقوق، حينئذ تنسحق كل آداب الخلاف، ويعتبر فائزا من استطاع أن يتفوق فى استعراض القبح والانحطاط.
يتضاحك بعض الناس الآن مما جرى لرئيس نادٍ شهير تعرض للاعتداء بإلقاء الفضلات عليه وهو غافل، صدقونى أن فضلات العقل وصديد النفوس أشد خطرا وأكثر قذارة، أكثر من نصف هؤلاء على الأقل يضحكون على خصوم الرجل حين يشبعهم شتما وانتهاكا لكراماتهم وأعراضهم، نسوا أن الديون معلقة على أستار السماء لا تسقط إلا بأدائها، لا تحسبوه خيرا، لأن الشماتة فى العار لا تجلب إلا العار ومعه قدر وفير من الكراهية، لا خير فى كلا الفريقين طالما استهوتهما الأساليب الرخيصة.
ليست الخلافات بين الأفراد فقط هى التى تذكى نيران الحقد والكراهية..بين الناس وأوطانهم قد ينشأ ما هو أكثر إيلاما من ذلك، قد لا يفقد الشخص منا وطنيته بفعل الظلم أو الفقر وحدهما، بالتأكيد سيعلن كفره بهذه الوطنية بمجرد أن يختلط الاثنان بالمهانة، الآن تضع الأنظمة أيدٍ ثقال على مواطنيها ممن لا حول لهم ولا قوة ولا حتى تنظيم، يقول الناس إنهم أبرياء وتحلف يد القانون أنهم متورطون، وحتى إن صدقتهم فإنها تتعمد أن تنزع عنهم كرامتهم، وتتجسس عليهم فى السجون، وتطعن فى وطنيتهم إمعانا فى «الإذلال»، لا أعرف إذا ما كانت الكلمة لائقة أم لا؟..ربما تتضح أكثر لو اعتبرنا أن أمواج السخرية والتجريح التى تجرى على ألسنة أشخاص من المعارضة تتعمد إذلال الدولة، وتذكيرها بالعجز والفشل، بعضهم يتطرف وصولا إلى النقد خارج حدود السياسة واللياقة والإنسانية.
تتضخم مخاوفنا كل يوم من تزايد حالة الإذلال المتبادل هذه حتى تصبح عقيدتنا فى الخلاف، وتتشوه معها إنسانيتنا يوما تلو الآخر، حينها سندرك أن كل اختلاف بيننا لم نراع فيه الأخلاق أسقط جزءا من حقوقنا لدى الآخرين بأن يراعوا حرماتنا، ثمة أساليب كثيرة لحسم الصراعات بين الناس ليس من بينها على الإطلاق سب الأمهات أو الرجم بالفضلات.