إبراهيم عبد المجيد

الرهان الأمنى كارثة

الجمعة، 17 أكتوبر 2014 06:47 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أتحدث هنا عن الجامعات المصرية، قد لا يعرف الغالبية من الطلاب تاريخ الجامعة فى الحركة الوطنية المصرية بشكل مفصل، لكنهم يعرفون أن للجامعة تاريخا عظيما فى الحركة الوطنية، أيام الاستعمار البريطانى وأيام عبد الناصر وبالذات منذ عام 1968 ثم أيام السادات وحتى الآن، إذن فكرة أن تبتعد الجامعة عن السياسة لن تجدى، لهذا السبب ولأسباب أخرى فإن الحرية أساس الدراسة فى الجامعة.
لست فى حاجة أن أعيد عليكم ما هو دارج من أن الجامعة ليست مدرسة ابتدائية يتم فيها تشكيل وعى الطالب، إنها المرحلة التى يختار فيها وعى الطالب مستقبله بنفسه لا بالقوة ولا بالإقناع، صحيح أن هناك عيوبا كبيرة فى التدريس فى الجامعة، لكن فى النهاية الطالب فى الجامعة يعرف أنه حر يتحرك فى وسط حر، وإذا عرف الطالب تاريخ الجامعة مع النضال الوطنى فلاشك أنه سيشعر بالفخر.

بعيدا عن كل ذلك هل المرحلة العمرية للطالب الجامعى تسمح له بأن يستجيب للخوف أو القمع؟ أظن أن هذا أمر واضح، لن تسمح له المرحلة العمرية إلا أن يكون حرا، للأسف هذا كلام مُعاد لكنى أرد به على من يقولون إن الجامعة مكان للعلم فقط.. عيب.

الأمر الأهم أننا كلنا رأينا ماذا جرى فى الجامعة العام الماضى، وكيف كانت مكانا يتحرك فيه الإخوان المسلمون بقوة بعد فض رابعة وميدان النهضة. والسؤال الغائب هل كل من قبض عليهم كانوا من الإخوان؟ أى مراقب يدرك أن كثيرا جدا ممن قبض عليهم لم يكونوا من الإخوان، من متعاطفين مع حق الآخر فى التعبير ومن آخرين لا علاقة لهم بأى شىء غير أن سوء الحظ وضعهم قريبا من المظاهرة فى الخارج أو الداخل. انتهى العام الماضى بكل سوءاته وكانت هناك إجازة طويلة قبل العام الجديد، فجأة امتلأت الفضائيات بضرورة عام بلا مظاهرات وأن الجامعة مكان للعلم فقط، والأعجب هو الحديث المستفيض عن شركة فالكون باعتبارها شركة أمن جبارة ستضع كل شىء فى مكانه وستنهى أى خروج عن النظام.

وبدا للجميع أن فالكون هذه التى لم يسمع عنها أحد من قبل شرطة أسطورية جبارة يمكن أن تفتح بلدانا ودولا وتغزوها. بالفعل أحد التحقيقات عنها قال إنها تملك كل الأسلحة باستثناء الطائرات الحربية! حالة من التخويف كبيرة جدا مضحكة جدا لأنها فى النهاية شركة مستأجرة للأمن ليس من حقها قانونيا ولا دستوريا القبض على أحد. وبدأ العام الدراسى بعد هذه الدعاية العجيبة لشركة فالكون فى اليوم الثانى الذى كان أكثر حضورا، تسببت فيما جرى بخطأ بيروقراطى تافه جدا وهو أنها ومن تعاقد معها ومن جلست تنسق معه من مسؤولى الجامعة لم يفهموا أن ثلاث بوابات إلكترونية للتفتيش عند أبواب جامعة القاهرة الأربعة مثلا لا تكفى لدخول الطلبة بهدوء وراحة.

أربعة أبواب رئيسية فى ثلاث بوابات تعنى اثنتى عشرة بوابة إلكترونية، ولو أن كل طالب يستغرق تفتيشه دقيقة واحدة وهذا مستحيل فالوقت أكثر من ذلك فهذا يعنى مرور ستين طالبا من كل بوابة فى الساعة، ويعنى سبعمائة وعشرين طالبا من جميع البوابات فى الساعة أيضا، الجامعة يدخلها كل ساعة عشرون ألفا على أقل تقدير، إذا أخذنا فى الاعتبار أن هناك محاضرات ليلية ومسائية، والنتيجة كانت تكدسا كبيرا أمام البوابات وشعورالطلاب بالإهانة والمدرسين أيضا، وكان هذا هو السبب الأول فيما جرى فى اليوم التالى للدراسة، بماذا يمكن أن نصف ذلك إلا بالغباء؟ لا يمكن أن يكون سهوا أو عدم إدراك، فأعداد الطلاب معروفة وهى أكثر مما أقول فهى فى جامعة القاهرة تتجاوز المائة والخمسين ألفا.
انتهى اليوم بما انتهى فهل كان الإخوان المسلمون وحدهم متأخرين بالأبواب، طبعا لا وإلا كان الإخوان لم يخرجوا من الحكم! دخل فى المسألة طلاب جدد أكثرهم لا علاقة له بالسياسة تذكروا جميعا أن الجامعة قلعة للحرية ولها تاريخ وطنى حتى لو كانوا لا يعرفونه. عاد من جديد الحديث عن حرية الجامعة وتاريخ الجامعة واشتعلت الأمور وكان ذلك التصرف الغبى- قلة البوابات- هو السبب الأكبر فى اشتعالها.
كسر الطلاب البوابات وهاجموا رجال فالكون وعلى الفور بدأ النداء بعودة الداخلية، فلا شىء سيصلح مع الطلبة إلا الداخلية ولم يفكر أحد أن ما جرى من طوابير تقف انتظارا للدخول لتلقى العلم تمت إهانتها وعدم المبالاة بها. دخل فى الأمر طلاب جدد لا علاقة لهم بالسياسة ولا الإخوان، لكن على الفور بدأت التصريحات تقريبا من كل رؤساء الجامعات بأنهم لن يسمحوا للطلبة بالمظاهرات أو العنف طبعا! وأن الداخلية سيتم استدعاؤها على الفور فى حالة أى مظاهرة، أى قوبل الأمر بتحدّ أمنى فهل خاف الطلبة؟ وهل أوقف الحل الأمنى مظاهرات الطلاب من قبل؟ يمكن أن يخاف بعضهم لكن الأغلبية لن تخاف، بل امتد الأمر إلى جامعات خاصة.. لماذا؟ لأن خبر القبض على زملائهم فى الجامعات الأخرى يصل إليهم فى نفس اللحظة وزملاؤهم فى أكثرهم لا علاقة لهم بالسياسة، طبعا لم تكن الأيام التالية أهدأ رغم ازدياد عدد البوابات قليلا لأن فكرة استدعاء الداخلية تم تطبيقها بسرعة، وهكذا بدا أن لا أحد يمكن أن يفكر فى الحوار مثلا مع الطلاب، ولا شرح ما جرى من قرارات لإنهاء الأسر الطلابية ودخل فى المسألة بعض الأساتذة ممن ناضلوا كثيرا لاستقلال الجامعات فى عصر مبارك ثم صدر قانون يتيح فصلهم إذا اشتركوا فى مظاهرة أو حرضوا عليها.

صحيح أن مجلس الدولة ألغى القانون، لكن لا أحد عاد يثق فيمن يصدر القوانين، وهكذا اشتعلت الجامعة فى الوقت الذى أريد لها فيه أن تهدأ. ثم لدى سؤال ساذج، أليس فى الجامعات متسع من الأرض للمظاهرات؟ هل كان صعبا تخصيص مساحة لمن يريد التظاهر بعد حوار معه وقادتهم إذا كان لهم قادة قبل أن تنفجر الأمور بهذا الشكل ويكون هناك ضحايا؟ طبعا كان من الصعب لأن الأساس هو منع التظاهر! أشياء كثيرة كان يمكن فعلها لكن إدارة لا تعرف أن عدد البوابات من أول يوم لا يكفى للطلاب لا فائدة ترجى منها.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة