رغم كل ما كتب عن أكتوبر طيلة 41 عاما من تفاصيل ساعة الحرب، وعبور القناة، والضربة الجوية، إلا أن بطولاتها لا تفنى، دائما هناك المزيد من قصص الوطنية والتضحية التى تبهرنا نحن جيل الثمانينيات وتزيدنا اعتزازا بجيل النصر.
إحدى أبرز قصص الوطنية، المقاتل عبدالرحمن العدوى، وسيرته غريبة لما تتضمنه من وقائع درامية، فهو حارب قبل أن تبدأ أكتوبر، ففى نهاية سبتمبر 73 كان وصديقه عادل الأصيل، يتبادلان تأمين دورية بمنطقة «بير عديب - لم يعوت»، وجغرافيا هى منطقة فى غاية الخطورة بالقرب من جبل الجلال، وخشم الجلالة، استغلها الإسرائيليون لفترات طويلة فى إنزال قواتهم، ومن ثم التمكن من ضرب مؤخرة الجيش الثالث الميدانى، فضلا عن أن سيطرة الإسرائيليين عليها، يسهل لطائراتهم «ركوب» الجبل وضرب المطارات القريبة مثل مطار القطامية. ما كان هناك وسيلة لإيقاف زحف القوات الإسرائيلية وعمليات الإنزال المستمرة لجنود العدو، إلا أن يتحرك البطل العدوى بمجموعته ويتصدى للقوات الإسرائيلية، وهو ما كان.. تحرك واشتبك معهم فى مناورات مستمرة طيلة 15 يوما، انتهت بالنجاح فى إيقاف الزحف والحفاظ على مؤخرة الجيش الثالث الميدانى، مع الأخذ فى الاعتبار أن تسليح مجموعة عبدالرحمن العدوى، كان أقل بكثير من تسليح القوات الإسرائيلية، لكنه برع فى مراوغتهم وإيهامهم بتسليحه القوى، رغم أن السلاح انتهى تماما فى الأيام الأخيرة.
العدوى كان شريكا فى معركة أكثر خطورة فى ثغرة الدفرسوار، لم تكتب عنها الصحافة من قبل، وهى معركة «جبل جنيفه»، فالإسرائيليون سيطروا على قاعدة صواريخ مصرية أمام الجبل، وهى قاعدة استراتيجية لأنها تسيطر على مواقع حساسة بأرض المعركة، بداية من امتداد قناة السويس، ومدق 12، ومنطقة جنيفة العسكرية ومنطقة جنوب البحيرات. الحل الوحيد لإبطال سيطرة إسرائيل جغرافيا على تلك المساحة الهامة، هو استعادة قاعدة الصواريخ، وفى فجر 17 أكتوبر هاجم «العدوى» وزملاؤه على القاعدة، وسيطروا عليها، وأسروا ما يزيد على 20 إسرائيليا فى عملية عسكرية بطولية، فالعدوى استهدف ناقلة جنود إسرائيلية، وإبراهيم الزمر قاد المجموعة بمهارة الشهيد محمد شرف ومجدى عبد المحسن دمر 7 دبابات، لدرجة أن الإسرائيليين استهدفوه بمدفع، ومات شهيدا. لم يفرح العدوى وزملاؤه كثيرا باستعادة القاعدة، لأن الإسرائيليين هاجموها عدة مرات من يوم 17 إلى 23 أكتوبر، حتى سيطروا عليها مرة ثانية، وأصيب العدوى بمسامير قنبلة عنقودية، نقل على أثرها للمستشفى بالسويس، ولم يمكث أكثر من 48 ساعة حتى خرج رغم الإصابات القوية ليقاتل من جديد، ويدافع عن السويس مع حافظ سلامة والعميد ذو الفقار ضد الهجوم الإسرائيلى.
لم يتوقف البطل العدوى عن الكفاح بعد صد الهجوم، ونفذ عملية نقل 36 سيارة جرحى بعيدا عن عيون إسرائيل، عبر السير فى مدقات جبلية بوادى حجول والشيخ سلامة، ونجح فى توصيل السيارات إلى طريق القاهرة لتلقى العلاج، وبعدها عاد إلى السويس ليشارك فى توصيل رسائل المعونة للجيش الثالث الميدانى، وظل فى ساحة المعركة لشهور طويلة بعد وقف إطلاق النار. وفى شهر الانتصارات نقول للبطل.. شكرا لتضحياتك، ولأبنائك وأحفادك أن يفتخروا بك.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة