لم تأت حكومة فى السنوات الأخيرة إلا وتحدثت بأفضل الكلمات عن الفلاح وضرورة حمايته، وأنه عصب الحياة وحارسها فى مصر، لكنها فى نفس الوقت تقدم له أسوأ المعاملة، وعلى سبيل النفاق ليس أكثر خصص الحزب الوطنى المنحل أحد مؤتمراته التنظيمية قبل ثورة 25 يناير لمناقشة قضايا الفلاح، وتبارى الحزب فى تقديم الدراسات وسط تغطيات إعلامية واسعة، وأصدر التوصيات فى النهاية، وبالطبع كان كل ما قيل عبارة عن حبر على ورق، فالفلاح بعد المؤتمر لم يتغير حاله قبله، بل أصبح أسوأ، لأنه ليس فئة منعزلة عن أحوال مصر بعمومها.
على نفس النهج المدمر، جاء قرار الحكومة قبل أيام برفع سعر شيكارة الأسمدة إلى 100، وجاء ذلك على أثر قرارها برفع الدعم عن الأسمدة بنسبة 33% ليصبح سعره 200 جنيه للطن، وفى السوق السوداء يرتفع السعر بين 3500 و4 آلاف جنيه، ويحدث ذلك دون أدنى مراعاة لظروف الفلاح القاسية، فلا الأرض أصبحت تدر عليه ربحا يعينه على مواجهة أعباء الحياة، كما أن ريعها لا يحقق فى كثير من الأحيان مقدار تكاليف زراعتها، ولا هو قادر على أن يتحول إلى جماعة ضغط تنتبه الحكومة إلى أنها قوة مؤثرة تعمل لها الحكومة ألف حساب، وهكذا تمضى حياة الفلاح المصرى تحت فكى الحكومة وجماعات المصالح التى تتحكم فى إنتاج مستلزمات الزراعة.
كان على الحكومة أن تفكر ألف مرة قبل أن تقدم على قرار رفع أسعار الأسمدة، الذى يدر أرباحا طائلة لمنتجى الأسمدة، لكنه يرتب أعظم الأضرار على الفلاح المزارع، هى أقدمت على هذه الخطوة فى نفس الوقت الذى يشكو فيه الفلاحون بطول مصر وعرضها من الإهمال الشديد الذى عم قطاع الزراعة فى مصر.
ومن عجائب الزمن أن رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، الذى يلف ويدور كل يوم فى محافظات مصر، لم يسترع انتباه مثلا حالة الترع الموجودة فى قرى مصر، وكم الإهمال الشنيع الذى وصل إليها، حيث تمتلأ بالقاذورات وتحولت إلى مخازن للزبالة، وإلى أماكن صرف مجارى، وبعد كل ذلك يتم الاعتماد عليها فى رى الأرض، مما يتسبب فى إصابتها بالأمراض، وإصابة أى محصول يتم زراعته بالمرض، مما يترتب على ذلك رفض الخارج للتصدير إليه، فيتبقى الاعتماد على السوق المحلى، ويحدث ذلك دون أى علاج من الحكومة بأجهزتها المحلية فى المحافظات.
لم تعد الحكومة سندا للفلاح كما هى تردد، وإنما أصبحت سوطا على ظهره، فلا هى تقدم الحماية اللازمة لمنتجه من الأرض، ولم تعد الجمعيات الزراعية مرشدا للفلاح كما كان، وبعد أن كانت بيت الحماية لأرض الفلاح أصبحت خاوية لا تقدم شيئا له قيمة حقيقية، ولم تعد الحكومة تتعامل مع الفلاح بوصفه أصل الحياة فى مصر، فلا هى مثلا تقدم خدمة صحية جيدة له، وبالطبع لا يوجد أى مظلة تأمينية على حياته، وإذا أصابه المرض تكون "أم المصائب" قد وقعت، لأنه لا يمتلك القدرة على مواصلة الإنفاق عليه، والمستشفيات العامة لا تحقق له أمل العلاج.
هكذا تمضى حياة الفلاح فى شقاء وبؤس طالما تصر الحكومة على وضعه تحت أقدامها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة