لا شىء فى الكون يشبه حال مصر خلال السنوات الأربع الماضية إلا ميكروباص بائس، يسير على حافة منحدر ينقل مواطنين مكتئبين إلى المجهول، ونطلب منهم بعد ذلك أن يكونوا متفائلين.. قل لى بربك هل مفروض علينا أن يكون كتاب التاريخ لدينا حفنة من المبالغين يبلعون الزلط لمن يحبون ويهيلون التراب على غيره، هؤلاء الذين يمنحون الفرصة لمذيعة موتورة أن تلوم على واضعى منهج الدراسات الاجتماعية عدم تخصيص فصل للفتى الأغر مفجر الثورة، ومكتشف خيانة أعواد الجرجير المستدفئة بأحضان ذكر البط.
رغم هذا الهزل، فقد تعلمنا من كل مناهج التاريخ التى درسناها فى مسيرتنا التعليمية، أن كل رموز النضال الوطنى الخاضعين لحكم الفعل الماضى شرفاء، لكنهم أخطأوا فى لحظات ضعف بشرية كما نفعل جميعا، كان الشك والاستهزاء نصيبا مفروضا لمن تأتى سيرته فى كتب التاريخ وهو على قيد الحياة، الآن حيث لا قواعد فقد تركنا التاريخ للحمقى والجغرافيا لتجار الأراضى.
سيحقد النشطاء فى الفروع الأخرى من شركة النضال المحدودة على زملائهم فى فرع «تمرد»، لأن ذكرهم جاء فى كتب الدراسات للصف الأول الثانوى، وتعجبوا كيف ينادى النظام الجديد فى مصر بأن كلا الثورتين يكمل الآخر وهو يحابى واحدة دون الأخرى، وهكذا تحولت مناهج التعليم لساحة يتهارش فيها ديوك الحظيرة الثورية، وكأننا تخلصنا من تعالى مناضلى يناير لنقع فى نفاق ثوار يونيو، وليذهب مواليد باقى الشهور إلى الجحيم..لا نشكك فى وطنية أحد دام عزكم، لكن لماذا لم يترك مؤلف المنهج فرصة للحاضر، لكى يتم دورته وينهى فرزه، ويميز الخبيث من الثورى، ألا يخشى تبديل الأحوال والأنظمة، أم إنه استسهل طالما يثبت هذا أنه لن يؤذى مشاعر الوزير، فكلاهما يخشى السجن أكثر مما يخشى الفضيحة.
قد يكون فى ماضينا بعض الفترات الحالكة، لكن إذا استمرت العقليات الحالية فى كتابة التاريخ، فالله يعلم أى ضباب ينتظرنا فى المستقبل. كنت وصديق لى جالسين على مقهى قريب من ميدان التحرير، حين كانت نسمات التغيير أقوى من سحب الدخان، قال لى فجأة سيذهب الثوار لمدينة الإنتاج والنظام القديم للسجن، وتظل أسئلة فى هذه الثورة بلا إجابة، وأشخاص أصبحوا أبطالا بلا دور، وقتلى ومجروحون لا يعلمون من استهدفهم، وفى الأفق لا يبدو من فاز ومن خسر.. أظن أن كتبة التاريخ سيمرون بأكبر أزمة فى حياتهم للخروج من تلك المتاهة».