وأخيرًا بدأت تنكشف أسرار الدور الخطير الذى لعبه الأخوان مكى «أحمد ومحمود» فى العمل على أخونة القضاء، وتسييس العدالة، وتثبيت دعائم دولة مرسى، ولولا عناية الله ورجال أشداء مثل المستشار الزند ورفاقه الذين تصدوا لدولة الظلم
لكان اختراق الإخوان للقضاء كارثة كبرى تمتد آثارها لسنوات طويلة قادمة، تهتز فيها العدالة، ويختل الميزان وتُغتال الحقوق، ويكون العدل على طريقة نائب عام مرسى الملاكى الذى لفق الاتهامات لأبرياء الاتحادية، ورماهم فى السجون، وبرأ الجلادين
واحتفى بهم أو لم يستدعهم أصلًا للتحقيقات. وأتذكر جيدًا أن أحمد مكى حين كان وزيرًا للعدل قال فى حوار تليفزيونى إنه اتصل بوزير الشباب فى ذلك الوقت أسامة ياسين، وقال له: «يا باشا فيه بلاغ ضدك فى قضية تعذيب مواطن فى التحرير، تحب تروح النيابة تقول كلمتين»، فرفض ياسين الذهاب، واستنكر البلاغ، ورضخ له مكى: «على كيفك»، وهكذا كادت العدالة أن تنتحر، وتلفظ أنفاسها الأخيرة.
أحمد مكى الثائر قبل 25 يناير عكس مكى الذى كان يردد دائمًا «أنا مش إخوان» بالقول وليس الفعل، ويبدو أن تمثيلية «استقلال القضاء» التى كان يتغنى بها لم تستهدف سوى تمكين هذة الجماعة الإرهابية من رقبة مصر، وكان يكرر الوقوف مع مجموعة من القضاة أمام ناديهم، فى اعتصامات لا تليق أبدًا بمكانة القضاة السامية ومنصتهم العالية، وفتح باب الظهور المكثف للقضاة فى الفضائيات
ضاربًا عرض الحائط بتقاليد القضاء الراسخة التى تحظر دخول رجال العدالة فى مساجلات هوائية، جرأت عليهم العامة فاقتحموا قصورهم المصونة، ومسوا هيبتهم ووقارهم واحترامهم، ودفعت العدالة ثمنًا فادحًا للشعار الزائف «الشعب يريد تطهير القضاء» الذى استهدف عزلهم، والتنكيل بهم واستبدال كوادر إخوانية بهم، جهزها مكتب الإرشاد.
أما عن محاولات الأخوين استعادة المعزول، فحدث ولا حرج، وهو ماكشفت عنه التحقيقات التى تولاها المستشار محمد شيرين فهمى فى تحقيقات «قضاة رابعة»، بمناصرتهم لفصيل سياسى، هو جماعم الإخوان الإرهابية، وأن عددًا من غير القضاة، من بينهم هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، وأحمد مكى، وزير العدل الأسبق، وشقيقه محمود مكى، نائب رئيس الجمهورية الأسبق
كانوا قد حرضوا على إعداد بيان رابعة العدوية، وعقدوا من أجل ذلك اجتماعات فى أحد المراكب النيلية العائمة أعلى النيل بمنطقة المعادى، وهو الأمر الذى أكدته أيضًا تحريات قطاع الأمن الوطنى بوزارة الداخلية.
رأى أحمد مكى فى الإخوان مسجل بالصوت والصورة فى حوارات تليفزيونية كثيرة، وقال فى أحدها بالحرف الواحد: «إن حزب الحرية والعدالة هو أجدر الأحزاب بحكم مصر وتحمل المسؤولية
وأنه لا يوجد جماعة فى مصر أجدر بحكمها مثل جماعة الإخوان المسلمين»، وتصوروا مأساة العدل والعدالة حين يكون وزير العدل مؤمنًا بذلك ومدافعًا عنه.. أما محمود مكى فقد لعب الدور الأكبر فى مساعدة مرسى فى إضفاء مسحة قانونية لتبرير اغتصاب القانون فى القصر، على يد رئيس كان يتصرف بطريقة «أنا ربكم الأعلى»، وزين له الإعلان الدستورى الكارثة
وكان له دور سياسى فى معاونة مرسى على مراجعة وصياغة القرارات الضرورية للاستفتاء على الدستور الإخوانى، ولم تشفع لهما الاستقالة أو الإقالة قبل نهاية حكم المعزول، فقد كانت بعد فوات الأوان وكشف المستور.