كان مبارك كسولا، مجندا يرتدى آفرول تنفيذ الإجراءات وما ورد بكتالوجات المعالجات الأمنية لجلب الاستقرار وإخضاع الرعية دون إبداع أو تفكير.
كان - لا حرمه الله من جلسة القفص وسط أولاده- يتبع مبدأ ترشيد الاستهلاك العقلى، وفقا للحكمة الشعبية الرائجة «الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح».. هكذا دون دراسة أو تفكير أو حتى فضول لمعرفة نوع الريح القادمة، وما يترتب من آثار على الوطن بسبب غلق الباب فى وجهها، هذا بالضبط ما فعله مبارك بمصر، مسكنات وسياسيات تجلب استقرارا مؤقتا وزائفا، ولكنها تزرع فى الجسد أمراضا مميتة، ولعل ذلك يفسر لك جزءا من لغز السؤال الأشهر بعد 25 يناير 2011 كيف سقطت دولة مبارك بهذه السهولة؟!
كان مبارك يفتح السجون، ويصف داخل زنازينها معتقلين بالجملة، لا ترى فيهم السلطة سوى مجرد أرقام، وأسماء تتراص فوق بعضها فى قائمة طويلة تختتمها اتهامات عامة وغير واضحة المعالم، ويتم تقديمها للناس الخائفة على ضياع الاستقرار تحت عنوان، «ما هى إلا إجراءات لحفظ الأمن»!!.
كان نظام مبارك يفتح لهم أبواب السجون يدخلونها وبعضهم أبرياء، شخصيات مغمورة، أو نصف مغمورة، مجرد أرقام فى بطاقات شخصية، وبروفايلات ساكنة على الفيس بوك، ثم يخرجون من سجونه وهم أبطال، ومشاهير، ونجوم يملكون قصصا عن النضال والأوضاع داخل السجون، وسيوف حادة يستخدمها الآخرون لتقطيع جسد الدولة الفاشلة.
رحل مبارك ولم يتصل أحدهم بشركات النظافة لتطهير ما خلفه الرجل من أفكار وأساليب وإجراءات لم تربح منها الدولة شيئا قط فى كل مواجهتها مع المعارضة، منذ بدأت فى منع الإخوان والإسلاميين من الظهور على الشاشة وصنعت بإبعادهم وحشا ظنه الناس قويا، ولم يكشفه سوى الظهور للنور وعبر شاشات التليفزيون، ثم انتهت بمحاولات إيهام الناس أن بعضا من الأبرياء أو المحبوسين احتياطيا دون دليل لا يضر طالما الهدف حفظ الأمن، ثم يكتشف الناس ومعهم الدولة أن من أدخولهم السجن مجهولون دون أدلة إدانة واضحة، خرجوا منه أبطالا كلمتهم أعلى من كلمة الدولة.
فى المدارس الابتدائية يعلمون التلاميذ أن «التكرار بيعلم الشطار»، ولكن للأسف هذا الدرس لم يدخل بعد ضمن المقرر تعليمه لأهل القصور الرئاسية والأجهزة الأمنية، لأن أحدا من أهل سلطة ما بعد 30 يونيو، لو كان قد وقف أمام المرآة وسأل نفسه: ما الذى جناه مبارك من فتح السجون للمعتقلين أو منع بعض الوجوه المعارضة من الظهور والحديث؟ لأجابتهم المرآة دون سحر بأنه لم يجنِ سوى تحويل بعض المعارضين الصغار إلى معارضين كبار، وبعض المجهولين الشباب إلى أبطال، ومنح بعض الأصوات الخافتة ميكروفونات مجانية ذات صدى دولى.
منذ 30 يونيو وحتى هذه اللحظة تقول أقل التقديرات: إن عدد المعتقلين فى مصر وصل إلى 8 آلاف معتقل، وهو إحصاء منسوب إلى المجلس القومى لحقوق الإنسان، بينما التقارير المنسوبة إلى بعض المنظمات الحقوقية الدولية تقول: إن عدد المعتقلين وصل إلى 16 ألف معتقل، وفى تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان يصل رقم المعتقلين إلى 20 ألف معتقل تحتل بهم مصر المركز الثانى فى قائمة الدول العربية من حيث عدد المعتقلين، ومن بين هذه الأعداد تقول القوائم التى تسلمتها الحكومة فى الشهر الأخير: إن حوالى 900 طالب ينتمون للجامعات المختلفة تم اعتقالهم الفترة الماضية، بينما المكتب التنفيذى لاتحاد طلاب مدارس مصر قد حدد أعداد المعتقلين من تلاميذ المرحلة الإعدادية والثانوية بـ100 طالب.
إلى أقرب رف، اذهب وضع كارثة عدم قدرة الدولة على تقديم إحصاء رسمى واضح بأعداد المعتقلين فى السجون، وبعدها تعالى نناقش عدم قدرة الدولة وجهازها الأمنى على الخروج للرأى العالم بقوائم اتهامات واضحة وأدلة واضحة على الجرائم التى تم على أساسها حبس مئات الطلاب احتياطيا، ثم يمكنك الانطلاق بعد ذلك لمناقشة السؤال الأهم الذى كان يرفض مبارك مناقشته حتى انتهى به الحال إلى ما هو عليه الآن: ما الذى ستستفيده الدولة من عمليات الاعتقال العشوائية؟ وما هو وجه العظمة أو الذكاء فى إصرار الدولة على عدم تنقية ومراجعة جداول المعتقلين والإفراج السريع والفورى لمن لم يثبت فى حقهم ارتكاب جرائم واضحة؟ وعلى أى أساس فكرى أو علمى أو سياسى تعتبر الدولة أن التعنت فى مواجهة دعوات الإفراج عن المعتقلين والمحبوسين احتياطيا حفاظا على هيبتها؟
هذه دعوة لدولة الرئيس عبدالفتاح السيسى، لدراسة ومذاكرة ملف قضية عبدالله الشامى ومن قبله ملف قضية علاء عبدالتفاح ودومة وماهينور وعادل وسناء سيف ويارا سلام ومئات الطلبة المحبوسين احتياطيا، من أجل الإجابة على السؤال الشرعى: ما الذى تربحه الدولة من هذه المعارك، ومن هذا التعنت فى التعامل مع ملف المعتقلين؟ ومن هذا التوجيه الإعلامى الذى يشوه كل معتقل ويحكم عليه قبل أن يحكم القضاء، ويتهم كل من يساند المعتقلين ويطالب بحقهم فى محاكمات سريعة وعادلة بأنهم خونة وعملاء؟
على الحكومة أن تجلس وتفتح صفحتين للإجابة عن سؤال هذه المقارنة الذى يقول: قارن بين مكاسب وخسائر الدولة فى مسألة تعنت الأجهزة فى علاج أحمد دومة أو نظر حالة محمد سلطان؟ الحكومة تملك تقارير أكثر، أجهزتها تملك عشرات التقارير عن ما كتبته الصحافة الأجنبية، وعن ما تمتلكه الجزيرة الآن من شهادات عن المعتقلين وما يحدث داخل السجون فى مصر يتم حكايته وفى الخلفية موسيقى حزينة وصور دوارة لشاب على كرس متحرك وأخرى لزوجة تتوسل من أجل زيارة زوجها المحبوس، وكلها أمور لا ترجح كفة الدولة المصرية فى تلك المقارنة التى تضطرنا إليها ممارسات بعض الأجهزة التى تعمل دون وضع الظروف المحيطة فى الحسبان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة