لا أستريح مطلقا لتعبيرات مثل «القائمة القومية الموحدة» أو «القائمة الوطنية الموحدة»، أو أى تسمية تتعامل مع انتخابات البرلمان المقبل عن أنها المعبر الجمعى عن «الوطنية، فلو سلمنا بذلك سيعنى أن المنافسين ليسوا وطنيين».
لا يعنى ذلك أن التحالفات الانتخابية ليست مطلوبة، أو أنها ليست ظاهرة صحية، لكن الأصل لنجاحها أن تكون تحالفات مبنية على برنامج سياسى متفق عليه بين أطراف التحالف، واختيار المرشحين الذين يمتلكون قدرة التعبير عن هذا البرنامج، أضف إلى ذلك، وهذا هو الأهم، أن تكون هذه الأطراف متقاربة سياسيا وفكريا، فلا يعقل مثلا أن يجتمع فى تحالف حزب مع اقتصاد السوق وآخر ضده، وحزب يرى فى إسرائيل كيانا عنصريا ويحتل أرضا عربية لا بد من تحريرها، وحزب يرى العكس، ولا يعقل أن يكون فى التحالف حزب يرى جماعة الإخوان إرهابية وحزب يرى العكس.
وأقرب معيار لنا فى هذه الأيام يتمثل فى الموقف من ثورتى 25 يناير و30 يونيو، فلا يعقل مثلا أن يكون هناك تحالف يضم حزبا أو شخصا مهما بلغ حجمه وقوته ونفوذه ضد ثورة 25 يناير، ويراها مؤامرة، لأنها جاءت بحكم جماعة الإخوان، وينتصر فقط لثورة 30 يونيو لمجرد أنها أسقطت حكم الإخوان، وتلك مسألة بقدر ما هى تتعارض مع الدستور، بقدر ما تحمل إسفافا سياسيا، لأنها تتجاهل إرادة شعب أسقط مبارك كحاكم مستبد، وأسقط حكم الإخوان كجماعة مستبدة.
واللافت فى الأحاديث الدائرة فى مسألة تكوين التحالفات أنها مثلا لا تقف على أرضية سياسية تنشد المستقبل بجدية، وإنما يبحث كل طرف داخل هذا التحالف إما عن عدد الذين سيرشحهم فى القائمة بدرجة تسمح له بحصد أكبر عدد من المقاعد فى الانتخابات، أو توفير الفرصة لمرشحه الفردى للنجاح.
فى الكلام عما يسمى بـ«القائمة القومية الموحدة» أو «القائمة الوطنية الموحدة» التى يتصدى لها الدكتور كمال الجنزورى، رئيس الوزراء الأسبق، نجد فيها الكثير مما سبق ذكره، فحسب المعلومات المتوفرة مبدئيا، فيها أسماء محسوبة على نظام مبارك، مثل الدكتور أحمد زكى بدر، وزير التربية والتعليم الأسبق، وفيها أسماء كانت ضد هذا النظام، وبالطبع فإن المحسوبين على نظام مبارك لا يطيقون سيرة ثورة 25 يناير ويعتبرونها مؤامرة، فكيف يجتمع هؤلاء فى قائمة انتخابية واحدة؟ وكيف سيواجهون الناخبين؟ هل سيتحدثون بلغتين؟ هل سيقول مرشح منهم إن ثورة يناير كانت مؤامرة، فى حين يتحدث آخر بأنها كانت إرادة الشعب المصرى؟ ومع فرض أن المرشحين التزموا بطرح سياسى واحد أثناء الدعاية الانتخابية، هل سيصدقهم الناخبون؟ وكيف سيكون حالهم تحت قبة البرلمان فى حال ناجحهم؟
يبدو لى أن التعامل بهذا الخليط يحمل قدرا كبيرا من استغفال الناخب، ومهما تم تسمية القائمة بـ«الوطنية أو القومية موحدة»، فإنها لن تسطيع إخفاء ذلك.
كلامى ينسحب على التحالفات الأخرى، فإذا قامت فى بنائها على مجرد الرغبة فى الفوز بالانتخابات وفقط، والتركيز على أسماء تحمل بريقا إعلاميا دون أن تكون معبرة بحق عن ثورتى 25 يناير و30 يونيو، فسنكون أمام برلمان ضعيف، وفى هذه الحالة سنكون أمام نموذج جديد لبرلمانات نظام مبارك.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة