هو ليس نجم شباك، ولا يظهر على الشاشات كل ليلة، ولا يستضيفه فرسان الشاشة ما بين الحين والآخر ليدلى بدلوه فى حال البلد ويتحول لمحلل استراتيجى أو رئيس حزب أو مالك مؤسسة إعلامية أو مذيع أو ما شابه، ولكنه أهم من كل هؤلاء وأصدق من كل هؤلاء وأخلص لهذا البلد من كل هؤلاء، إنه المواطن المصرى عبدالغفار منصور السيد الذى يبلغ من العمر 84 عامًا ولا يرتدى البدلة ولا الكرافت، ولكنه، ككل الفلاحين الحقيقيين وليس فلاحى الشاشات، يرتدى الجلباب التقليدى ويعيش فى مركز أجا بمحافظة الدقهلية.
هذا المواطن العجوز يمتلك ثروة تقدربـ46 فدانا فى محافظة المنيا نصفها مزروع حدائق عنب ونخيل، والنصف الآخر غير مزروع بزراعة معينة ورد اسمه على استحياء ضمن خبر صغير فى الصفحات الداخلية للصحف يتصدره صورة لمحافظ المنيا واسمه، يقول الخبر إن المحافظ شكل لجنة من السكرتير العام للمحافظة ومدير مديرية الزراعة ومدير أجهزة الدولة ورئيس الوحدة المحلية ومدير إدارة التخطيط والتجميل ومدير الإدارة القانونية، وذلك لمعاينة الأرض التى تبرع بها المواطن عبدالغفار منصور السيد للدولة، ويستكمل الصحفيون كتابة الخبر بتصريحات المحافظ حول الأمانة التى أودعها هذا الرجل، وأن الدولة ستستغلها أفضل استغلال ليستفيد منها الشباب.. انتهى الخبر الذى أعطى البطولة والأهمية للمحافظ ولجنته وتصريحاته وصورته، بينما اكتفى باسم المتبرع وسنه وحجم تبرعه.
عبدالغفار منصور السيد يا بلد ويا أيها الزملاء الصحفيون ويا أيها القراء الأعزاء هو بطل هذه القصة، فهو الفلاح الذى تبرع بأرض تساوى ملايين لمصر، أى لنا جميعاً، ورغم هذا لم تكلف صحيفة واحدة نفسها أو برنامج توك شو من الذين يستضيفون بشرا يضربون بعضهم أو لا مؤاخذة يعملون ويقولون كلامًا «أبيح»، لم يكلفوا أنفسهم عناء الذهاب لمركز أجا فى محافظة الدقهلية لنعرف من يكون هذا الرجل ويضعونه فى صدارة المشهد ليشعر ويتأكد بعض منا بأن البلد دى لسه فيها أمل بناسها وليس بنجومها، بمغاوريها وليس بضيوف فضائياتها والمتبرعين أمام الكاميرات ثم حين تطفأ الأنوار يديرون ظهورهم ويقولون فوتوا علينا بكرة، وأبداً لا يأتى بكرة.
تذكروا هذا الاسم جيدا، عبدالغفار منصور السيد منحنا ونحن لسنا ورثته الشرعيين ثروة، ولكن يا خوفى من اللجنة التى شكلها السيد المحافظ بغض النظر عن اسمه، فاللجان فى مصر لا مؤاخذة سمعتها مش ولابد، وأرجو وأتمنى وأبوس إيد اللجنة تفرح الرجل أمد الله فى عمره ولا تجعل ورثته الشرعيين يعايرونه بفعلته حين قرر أن يترك لغيرهم ثروته.
هى ثورة ولا مؤامرة:
تتم مرمطة التاريخ فى بلد التاريخ، فبعد أن هدأت حدة صراع مَن مِن المفروض أن يكتبوا اسمه فى كتب تاريخ المدارس كقادة لثورة 30يونيو وهو ليس تاريخا بعد، ولا يجب أن يُضاف لكتب التاريخ بأى حال من الأحوال، إلا لو أن وزارة التربية والتعليم تريد أن تضمن مرمطة التاريخ قبل أن يصبح تاريخا، بدأت معركة ثانية بطولة الإعلاميين على شاشات التليفزيون، حيث يطرحون توجهاتهم بالإجابة عن سؤال هى ثورة 25 يناير ثورة ولا مؤامرة، ويأتى كل واحد بشلته لتؤكد وجهة نظره فى: إما أنها ثورة أو مؤامرة، وعجباً أن لا أحد سألهم ولكنهم تطوعوا من أنفسهم كل حسب هواه وآه من الهوى حين يمرجح شعباً بأسره!
السادة المتعاركون بتوع ثورة ولا مؤامرة، اتقوا الله ولموا ثعابينكم فلا أنتم ولا ضيوفكم مؤهلون لطرح هذا السؤال ولا الإجابة عليه، ولم يعد أحد يريد أن يعرف الإجابة إلا أصحاب الهوى.. ارحمونا من هواكم فالشعب يريد أن يزيل آثار عدوان مبارك ومرسى وهواكم، فشاركوا فى بناء جديد لو أردتم التطهر بدلاً من تلويث غيركم، واتركوا التاريخ لأهله، فلا أنتم ولا وزارة التربية والتعليم قادرون على كتابة التاريخ فى بلد التاريخ اللى اتمرمط على الأرصفة.