"عن الحياة" أتكلم. فمن منا لا يعيش آلامها، وأوجاعها، وابتساماتها، وأفراحها، وحيرتها؟ من منا لا يتعلم منها كل يوم درسًا جديدًا وهو يسير دروبها؟ ومن لا يبحث فى الطريق عن علامات تشدده وتشجعه، وتؤكد له أنه يسير فى الدرب الصحيح؟
"عن الحياة" أتكلم لأنها قصة عمر كل إنسان؛ قصة جهاد وكفاح وسعى، سقطات ونجاحات، تقدم وتوقف وتراجع؛ فإما انتهت بالنجاح، وإما أغلقت صفحاتها على إخفاق شديد لا مكان من بعده لمحاولة أخرى. أما الآن، فما يزال الجميع يسيرون الدرب ويتعلمون، ويمكنهم تعديل خطاهم نحو الأبدية.
عن الحياة أتكلم وعن دروسها. وما أعمق هٰذه الدروس حينما تكون معاشة! قال أحد الحكماء: "اختَر الصمت فضيلة، لأنك بفضله تسمع أخطاء الآخرين، وتتجنب أن تقع فيها". ويقول آخر: "تعلمتُ الحكمة من أخطاء الآخرين، فكلما رأيتُ خطأً لا أفعله". ومن منا لا يجد فى قصص الحياة ودروسها ما يمكنه تعلمه؟!
أعجبتنى قصة قرأتُها عن شخص سأل أحد الحكماء: ممن أتعلم؟ أجابه الحكيم: تتعلم من كل إنسان يمر بك فى حياتك. وهنا أود أن أقول: وتتعلم أيضًا من كل إنسان مر بحياة آخرين وقرأتَ عنه أوسمِعتَ به. إنها خبرات الحياة التى تنتقل إلى البشر، فمن يقرأ يُضيف إلى عمره أعمارًا، وخبرات أخرى لن تتسع ساعات العمر لأن يحياها جميعها.
إن الحياة التى يعيشها الإنسان الآن هى الخَطوة الأولى التى ستنتهى بكل شخص إلى مصير لا يتغير. لذا، فالحديث عنها وعن سبلها ومواقفها يجعل الإنسان يتمهل ويفكر فى أموره وأحواله وتصرفاته فى الطريق الذى يسلكه، ويتعلم من خبرات الذين حوله. وبدلًا من أن تطفئ شمعة فى الطريق تضيء لك وللآخرين، تعلَّم واسعَ للحفاظ عليها؛ فماذا يحدث إذا أطفأ كل إنسان شمعة الآخر إلا ارتياد الجميع طريقًا مظلمًا يتخبطون فيه ويسقطون دون أن يتقدم أحدهم نحو النجاح؟!
من أجل هذا، فليساعد كل إنسان الذين حوله فى طريق الحياة لأنْ يسلكوا طريقًا مضيئًا؛ وحتمًا سيصل الجميع إلى تحقيق أهدافهم والنجاح الذى يسعَون نحوه. إن الحياة أقصر جدًّا من أن نُلقى بلحظاتها فى الكراهية، والهدم، والتحطيم. وإنما هى هبة من الله للبناء. ومن أراد أن يبنى، يجب أن يملِك قوة المحبة فى أعماقه؛ فإنها القوة المعجزية الوحيدة التى تستطيع البناء! إنك تستطيع أن تبنى حين تحب نفسك محبة صحيحة، وتحب الآخرين، وحين تتعلم أن تحب ما تعمله. تبنى حين يمتلئ قلبك بمحبة نحو الله كُلِّى المحبة.
• الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسىّ.