وضع الدستور أسسًا لنظام إعلامى جديد، يقوم على تشكيل مجلس وطنى للإعلام، وهيئتين للصحافة وللإذاعة والتليفزيون، ومرت عشرة أشهر على إقرار الدستور، ومايزال تحرك الدولة وجماعة الإعلاميين لإصدار قوانين تنظم وتفصل ما جاء فى الدستور بطيئًا وتقليديًا ومملًا! أعتقد أن سبب البطء يرجع إلى أن البعض يفضل الانتظار لحين انتخاب البرلمان الذى من حقه إصدار قوانين تنظيم الإعلام.. وهو كلام مردود عليه، لأنه لا يمكن الانتظار أكثر من سنة، والسكوت عن استمرار فوضى الإعلام، وبالتالى يمكن للرئيس السيسى إصدار تلك القوانين بشرطين، الأول: أن تعرض لنقاش مجتمعى تقوده نقابة الصحفيين، ونقابة الإعلاميين تحت التأسيس، والثانى أن يقوم البرلمان حال انتخابه بمراجعة تلك القوانين، فإما أن يبقى عليها أو يعدلها. المهم أن نلتزم بالدستور، ونضع نهاية لفوضى تمويل الإعلام الخاص من مصادر مجهولة، وفوضى المضامين والأشكال الإعلامية التى لا تراعى مواثيق الشرف الإعلامى، ولا أخلاق وتقاليد المجتمع. كان هذا موقفى، ومايزال، وكتبت هنا عدة مرات عن ضرورة البدء بوضع قوانين إعلامية واضحة تفصل المبادئ العظيمة التى نص عليها الدستور بشأن حرية الإعلام، وكتبت أيضًا محذرًا من ترزية القوانين الذين من الممكن أن يضعوا قوانين تجرد مبادئ الدستور من مضمونها، وتحولها إلى قيود على حرية الإعلام، وكما نعرف فإن الشيطان يكمن فى التفاصيل التى يضعها ترزية القوانين، ورجال الدولة، أو ما أطلق عليهم «الدولاتيين».. هؤلاء «الدولاتيون» يتصدرون الآن الجهود الرامية لإنشاء نقابة الإعلاميين، ويسيطرون على اللجنة التى اقترحها رئيس الوزراء لكتابة مشروعات قوانين تنظيم الإعلام، والمفارقة أن معظم «الدولاتيين» فوق الستين، أى أنهم على المعاش، ومنهم من تجاوز السبعين، وبعضهم لاعلاقة له بالإعلام، ومع ذلك يفرضون وصايتهم على المستقبل، وعلى شباب الإعلاميين، بمعنى أن شيوخ الإعلام يكتبون القوانين التى ستنظم واقع الإعلام ومستقبله، ويصادرون على أى محاولة من شباب الإعلاميين للمشاركة فى الحوار العام حول قوانين تنظيم الإعلام، أو نقابة الإعلاميين.
أى أن هناك تهميشًا متعمدًا من «الدولاتيين» لشباب الإعلاميين.. من هنا لم يمثل أى شاب فى الثلاثينيات من عمره فى اللجنة التى شكلها رئيس الوزراء لوضع مقترحات بقوانين لتنظيم الإعلام، والتى تعرضت لانتقادات واسعة جعلت رئيس الوزراء يعطيها اسمًا حركيًا هو «اللجنة الاستشارية»، كما لا يوجد أى شاب فى اللجنة التى تسعى لتأسيس نقابة الإعلاميين، وذلك بالرغم من أن أغلبية العاملين فى الصحافة والإعلام المرئى والمسموع هم من الشباب أقل من أربعين سنة، وهؤلاء الشباب هم الذين قدموا الشهداء والمعتقلين، وهم ملح الإعلام المصرى ووقوده، وهم أخيرًا الذين يعانون من استغلال وظلم أصحاب القنوات والصحف الخاصة، وبيروقراطية إعلام الدولة، وأوضاعه المتردية.
عجيب ومحزن ما يحدث لشباب الإعلاميين من اضطهاد وتهميش، لكن ما يجرى لهم هو جزء من المشهد العام لتهميش الشباب المصرى عمومًا، فقد وعدوا منذ ثورة يناير بالكثير، لكنهم حتى اليوم لم يحصلوا إلا على القليل، وربما لم يحصلوا على شىء سوى الوعود والكلام الجميل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة