سياسيا لا يعنى فوز نداء تونس وباقى الأحزاب الديمقراطية والمدنية بأغلبية مقاعد البرلمان فى الانتخابات التشريعية الأخيرة فى تونس الخضراء، سوى أنه لا مستقبل للإخوان ولتيار الإسلام السياسى فى المنطقة العربية، وأن هذه الظاهرة الخادعة التى اتخذت من الدين ستارا وتاجرت به، واستغلت خصوصيته وقدسيته لدى الشعوب العربية، وحاولت التخفى بأهدافها وأغراضها الخبيثة، خلف شعارات سياسية براقة طوال عقود طويلة مضت، سقط عنها القناع، وتعرضت لأقصى حالات الانكشاف إلى درجة «الفضيحة»، بعد أن عرف الناس الحقيقة الكاملة لغرض هؤلاء الكذابين والمتاجرين بالدين، ومدمرى الأوطان ومحترفى الإرهاب، وصنيعة الاستعمار.
خلع الشعب التونسى الإخوان بثورة الصناديق، بعد أن أزالهم الشعب المصرى بثورة الملايين فى الشوارع والميادين فى 30 يونيو. وسواء جاء الخلع أو الإزالة بصناديق الانتخابات، أو بثورة الشعب فالمصلحة والغاية واحدة، وهى تنفيذ إرادة الشعب فى تحقيق ما يريده من أجل وطنه ومستقبله. مثلما انحاز الشعب المصرى إلى هويته الوطنية وحضارته العريقة، وتراثه الثقافى والاجتماعى للدفاع عن الدولة المدنية، فثار ضد حكم الإخوان الفشلة، بعد عام من الخراب والدمار والاستحواذ على السلطة لصالح مشروع الجماعة، والتنظيم الدولى والمخطط الاستعمارى، فعلها أيضا الشعب التونسى بخصوصية تجربته، وانحاز إلى ميراثه الثقافى والحضارى ودافع عن هويته المدنية.
كل الطرق أدت إلى خلع الإخوان فى بداية مشوار طويل للقضاء على هذه الظاهرة الشاذة فى الوطن العربى، بطريق الثورة الشعبية أو بطريق صناديق الانتخابات، والبقية بالتأكيد سوف تأتى، وتداعيات ما حصل فى مصر ثم تونس سوف تستمر فى دول عربية أخرى، فى ليبيا وسوريا واليمن والعراق بتنويعاتها، ومسمياتها المختلفة، وسوف تتداعى فصائل وجماعات العنف والإرهاب مثل قطع الدومينو.
لم يستغل الإخوان الفرصة بعد «ثورات الربيع العربى» لإثبات أنهم فصيل وطنى ينتمى لفكرة الدولة الوطنية بميراثها الليبرالى، وإيمانها بفكرة الدين المحفز للعمل والإنتاج، والداعى للسلام والحرية، فسقطوا وفشلوا وترنحت أوهامهم فى السلطة والاستحواذ، وتآكل مشروعهم ولبت الشعوب العربية نداء الوطن فى مصر وفى تونس.. يمكن القول الآن بعد فوز «نداء تونس» والأحزاب الديمقراطية الأخرى، أن الربيع العربى يستعيد رونقه واخضراره من جديد.
المفارقة أن هزيمة الإخوان فى مصر وتونس فى ثورة «الشارع»، و«الصناديق»، جاءت على يد «السيسى» فى مصر و«السبسى» فى تونس..!