إن الاقتصاد المصرى يعانى من أربعة اختلالات هيكلية رئيسية، وهى اختلال بين الإنتاج والاستهلاك، واختلال بين الصادرات والواردات، واختلال بين الادخار والاستثمار، واختلال بين إيرادات الدولة ونفقاتها وهى التى تسبب المشاكل التى يعانى منها الاقتصاد المصرى وأهم وأخطر هذه المشاكل هى مشكلة البطالة.
البطالة فى مصر هى بطالة متعلمة فالغالبية العظمى من العاطلين من خريجى الجامعات ومدارس ثانوية كما أن اتجاه معدلات البطالة للارتفاع فى الحضر بعد أن كانت فى فترات سابقة ترتفع بنسبة أكبر فى الريف وقد بدأت مشكلة البطالة فى الظهور بعد قيام ثورة 23 يوليو، والتى كان لها مالها من إنجازات، وعليها ما عليها من إخفاقات، وقد كان من أهم إخفاقات تلك الثورة، محاولة كسب زعامة جماهيرية بالتضحية بنظم التعليم الراسخة القديمة مثل إعلان مجانية التعليم مجانية مطلقة بصرف النظر عن مسألة الجودة والتميز كشرط من شروط مجانية التعليم للمتميزين، وقد تسبب هذا الإجراء فى تطلع جميع طبقات المجتمع المصرى، والإسراع فى حصول أبنائه على المؤهلات العلمية العليا لاحتلال المراكز الوظيفية المرموقة، ونبذ التدريب على المهن الفنية وغير الفنية المختلفة التى يحتاجها المجتمع المصرى لاستكمال بنيانه الاجتماعى والثقافى والحضارى، حتى يواكب المجتمعات الأخرى المماثلة ويتفوق عليها كما كانت عادته قبل ذلك ويحافظ قوة بنائه، وإذا نظرنا إلى اندفاع الغالبية العظمى من الشعب المصرى إلى تعليم أبنائها تعليما جامعيا سعيا للتميز للوصول بهم إلى المراكز المرموقة فى المجتمع فقط، وبالأخذ فى الاعتبار لعنصر ثقافة المجتمع المصرى فى تحدى الصعاب والرغبة فى التميز، دون الأخذ فى الاعتبار تفاعل عنصرى العرض والطلب على سوق المؤهلات الجامعية فى المدة الطويلة، فقد حدثت كارثة الوفرة فوق اللازمة فى طلب التعليم العالى أو المؤهلات العليا، فارتفع عدد الطلبة فى الجامعات بشكل لا يسمح لأى أسرة إلا أن تسعى لنفس الاتجاه فى طلب التعليم لابنها بصرف النظر عن تخصصه، وطلب السوق فى المدة القصيرة والمدة الطويلة لهذا التخصص، وفقدت الشهادات التى يحملونها أهميتها.
فشاعت فوضى التعليم الحقيقى ولم يعد هناك إلا الاهتمام بالحصول على وظيفة مرموقه بسبب الاعتقاد السائد بأن الشخص يكتسب أهميته من وظيفته وهى مع الأسف ثقافة الدول المتخلفة، حيث إن ثقافة الدول المتقدمة تفصل بين الشهادات العلمية والمهن الحرفية، فقد نجد سباكاً يحمل مؤهلاً علمياً بارزا، أو نجاراً يحمل مؤهلا عالياً ولكنه لم يجد مجال عمله فى ما يحمله من مؤهلات. واستمر الحال على هذا المنوال حتى يومنا هذا، فمع الأسف، مازالت سياسة ترميم نظام التعليم تخضع لأفكار متعددة تفسد التعليم أكثر من أن ترممه، نتيجة التخلف الإدارى الذى يتمتع به الروتين الذى يتبعه المسئولون الإصلاحيون الذين يزيدون الطين بله، عندما يتولون قيادة قطاع التعليم، ويصرون على تطبيق نظرياتهم الفاشلة فى ترميم التعليم خوفاً من الفئات المستفيدة من التعليم المجانى.
يجب أن نطبق نماذج ناجحة فى دول ناجحة أخرى، مثل النماذج المطبقة بالولايات المتحدة أو تلك الموجودة فى الصين، والتى تتناسب مع إمكانية تطبيقها بنجاح فى مصر، فيطبق نظام التدريب الشامل، والجودة الشاملة، حيث تنتشر مراكز التدريب فى جميع الجامعات، وفى مراكز التدريب المختلفة، لتدريب من يرغب على مهارات المهن المختلفة المطلوبة للمجتمع مثل النجارة والسباكة والحدادة والكمبيوتر.. إلخ، ويمنح المتدرب فى نهاية تدريبه شهادة بانتهاء تدريبه، تعطيه الحق فى ممارسة المهنة التى تدرب عليها، إما فى الوظائف المختلفة أو فى فتح أنشطة خاصة بالمتدربين يمكنه استخدامها، على أنه لا يسمح لأى مواطن بالقيام بأى عمل فنى أو مهنى لدى الغير، أو إنشاء نشاط اقتصادى فنى خاص به بدون الحصول على تلك الشهادة، ولا يجوز لأى شخص لا يحمل شهادة التدريب المذكورة بالعمل كمحترف فى أى مهنة، ومدة التدريب حوالى ستة أشهر وتختلف من مهنة إلى أخرى.
وتقوم الجهات المعنية بتحديد المهن المطلوب متدربين لها وتوجه الشباب للمهن المطلوبة. ويتم تحديد مراكز التدريب والمهن الممكن التدريب عليها بتسهيلات تتفق مع أهمية كل مهنة واحتياج سوق العمل إليها، بالإضافة إلى وجود سجلات لدى الجهة المسئولة عن هذه العملية تبين الشركات والمؤسسات التى تطلب وتحتاج إلى مهارات خاصة وفقاً لخطط الإصلاح الاقتصادى، والمشروعات الاقتصادية المطلوب تشجيعها لتطوير الاقتصاد .
مقترحات للقضاء على البطالة:
1- تأهيل الباحثين عن العمل فى مختلف المجالات مثل النجارة والحدادة وصيد الأسماك وغيرها من المشاريع الوطنية الهامة للمجتمع حتى يتم قبولهم فى المؤسسات الخاصة أو العامة أما بالنسبة للفتيات فيتم تدريبهن فى جمعيات خاصة بالمرأة حتى يتم تكوين الأسرة المنتجة.
2- على الدولة دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وأن تبحث عن سوق محلى وعالمى لدعم وتسويق المشاريع التى ينتجها الشباب والأسر المنتجة.
يمكن القول بأن البطالة تمثل أخطر مشكلة تواجه الاقتصاد المصرى وتهدد الاستقرار الاجتماعى والسياسى. وقد ارتفعت معدلات البطالة الى ما يجاوز 10% - وتذهب تقديرات اخرى لمعدلات أعلى من ذلك - وهى مستمرة منذ ما يقرب من عقد ولا يبدو أنها تتجه الى التناقص، ولا تقتصر البطالة على فئة دون أخرى، ومع ذلك فهى تصيب الشباب وخاصة خريجى المعاهد والجامعات بشكل واضح. وتذهب المؤسسات الدولية وكذا معظم الاقتصاديين إلى أن العلاج الحاسم لقضية البطالة هو زيادة معدل نمو الاقتصاد القومى. فعلاج البطالة لا يكون بخلق وظائف حكومية غير منتجة يضيف إلى أعداد البطالة المقنعة، وإنما يتطلب زيادة الطاقة الإنتاجية للاقتصاد الوطنى مع الزيادة فى معدلات الاستثمار وبالتالى فى معدلات النمو.
صورة أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة