إذا كانت تونس ألهمت مصر فى 25 يناير فمصر ألهمت تونس فى 30 يونيو.. والعبرة بالخواتيم.. مؤشرات قوية عن تقدم حزب "نداء تونس" فى الانتخابات البرلمانية التونسية بحصده 38 بالمائة من الأصوات. ونقلت "رويترز" عن مصادر حزبية أن "نداء تونس" حصل على 80 مقعدا وحزب "النهضة" على 67 مقعدا من أصل 217، وحقق "نداء تونس" العلمانى مفاجأة فى تقدمه على حزب "النهضة" الذى فاز بغالبية الأصوات عام 2011 علما بأن التوقعات كانت ترجح كفة حزب "النهضة" وتعطى "نداء تونس" المركز الثانى.
إذن تونس الخضراء تنتفض ضد سرطان الإسلام السياسى المغلف بعباءة الإخوان. حزب النهضة الإخوانى التونسى الذى تضامن باستماتة مع تنظيمهم الأم فى مصر إبان ثورة 30 يونيو كان قد حصل على أغلبية مقاعد المجلس الوطنى التأسيسى فى أول انتخابات بعد ثورة 14 يناير، ولم يكن هناك وجود لحزب نداء تونس وقتها. نداء تونس هو حزب سياسى تونسى أعلن عن تأسيسه الباجى قائد السبسى فى 16 يونيو 2012. هذا الحزب يمثل ظاهرة فريدة تدرس فى علم السياسة ففى خلال عامين فقط استطاع الانتشار وتجاوز عدد المنضمين إليه المعلنين، المائة ألف فى أقلّ من عام على تأسيسه.
التوانسة صححوا المسار بعد أن استشعروا خطر الغرق فى برك ومستنقعات الإسلام السياسى بقيادة حزب النهضة الإخوانى وبعض الحركات والأحزاب المتحالفة من نوعية (احنا مش نهضاويين بس بنحترمهم). انتشر حزب نداء التونسى رغم محاولات التضييق عليهم ممن يطلقوا على أنفسهم حماة الثورة أو جبهة حماية الثورة المدعومة من حزب النهضة الإخوانى (نفس أسلوب الإخوان وحلفائهم فى مصر اللعب على وتر ثورة يناير وجبهة حماية الثورة التى كان يريد إنشاءها السياسى المعارض من جبل لبنان أيمن نور) وطبعا كلاكيت مما حدث فى مصر من ادعاء أن حزب نداء تونس علمانى وفلول بن على وكافر إلى آخره.. وعندما لم يفلح التشويه لجأوا للعنف فمنعوا الحزب من عقد اجتماعات شعبية فى صفاقس ومدن أخرى وتم اغتيال لطفى نقض رئيس الاتحاد الجهوى للفلاحين ومنسق حركة نداء تونس.
ومن الملفت للنظر أن حزب نداء التونسى يجمع أطيافا فكرية مختلفة ومتباينة وجمع كثيرا من رموز لم يكن لها نشاط سياسى أو حزبى سابق ومنهم من هو بورقيبى ومن هو منشق على بورقيبة ومنهم من هو ناشط يسارى ونقابى سابق سجن فى عهد بورقيبة ويعتمد الحزب على أرضية فكرية أسسها أساتذة جامعيين ومجموعة من خبراء الاقتصاد التونسى ورغم أن الغالب هو الفكر اليسارى إلا أن توجه الحزب "اجتماعى اقتصادى" يستوعب تيارات فكرية مختلفة ورغم هذا الاختلاف فهم مجتمعين على إنقاذ تونس من توغل الإسلام السياسى وفرض سيطرته على مفاصل الدولة.
ومما لا شك فيه أن تجربة مصر ألقت بظلالها على رجل الشارع التونسى فخدعة الربيع العربى انكشفت مبكرا جدا فى مصر بعد حكم الإخوان وإذا كنا دفعنا ثمنا غاليا نتمنى ألا تدفعه تونس والأيام القادمة قد تحمل الكثير. الغنوشى الإخوانى التونسى أكثر مكرا ودهاءً من قادة الإخوان فى مصر وربما يرجع لمرحلة الاستضعاف إذا خسر حزب النهضة فى هذه الانتخابات كما تقول المؤشرات. فرغم صحوة الإخوان بعد ركوبهم على ثورات يناير وبعد أن وصلوا لمرحلة التمكين فى المجلس الوطنى التأسيسى بتونس وإلى مرحلة المغالبة فى رئاسة مصر فى عهد محمد مرسى اعتقد هناك مساران محتملان المسار الأول المتوقع هو العنف والإرهاب والمسار الثانى هو الانتقال لمرحلة الاستضعاف (وهو فقه إخوانى خسيس الاستضعاف والمداهنة ثم التمكين) فى مصر اتخذوا مسار العنف بعد ثورة الشعب ضدهم وكانت نهايتهم الحضيض والحديد فى السجن. فهل نرى الوجه الإرهابى الإخوانى القذر فى تونس بعد خسارتهم أم الدخول فى كهف الاستضعاف والاعتراف الظاهرى بالهزيمة مؤقتا؟.. الأيام ستكشف!
فلنتذكر قول الشهيد التونسى الذى اغتالته يد الإرهاب شكرى بلعيد: "سيلجأون للعنف كلما زاد اختناقهم - كلما زادت عزلتهم السياسية – كلما تقلصت شعبيتهم" رحم الله شكرى بلعيد وحمى الله شعب تونس.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة