لا جدال فى أن مصر بلد فقير، أو على الأصح بلد أغلب شعبه فقير، ونسبة الفقر تزداد، فكما أعلن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن %26 من سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر وحددت خط الفقر بدخل شهرى 326 جنيها شهرياً فمن يقل عنه يصبح فقيرا ومن يزد عليه يكون قد نجا، طبعا حضرتك بتضحك دلوقت لأنك بالتأكيد من الأغنياء، أى أن دخلك يزيد على 326 جنيها شهرياً، ثم بالتأكيد ستبكى بعدها لأنك ستعتبر أن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عايش فى عالم تانى، فحتى لو كان دخلك ثلاثة آلاف جنيه فى الشهر فأنت فقير وفقير جدا لو كنت تعول، إذن نحن نتحدث عن نسبة كبيرة جدا من هذا الشعب معوزة، ولولا الملامة لمدت يدها فى الشوارع، وقالت لله يا محسنين، إذاً كثير جدا من الشعب المصرى يحتاج للزكاة والصدقات، ولكن المشكلة أن هؤلاء ليسوا من نمنحهم الزكاة ولا الصدقات، ولكننا نمنحها فى الغالب لغير مستحقيها، فعن مملكة الشحاتين أتحدث.
فى كل بلد من بلدان العالم يوجد تسول بدرجات وأشكال، ففى الغرب يلجأ المتسولون إلى وسائل فنية أو أفكار مبتكرة للتسول مثل العزف على إحدى الآلات الموسيقية، أو الغناء، أو الرقص، أو قرض الشعر، أما فى مصر فحتى التسول لا ابتكار فيه، تسول تقليدى، عاهة، أو عيل، أو دعاء هنا وهناك محفوظ لزوم الشغل، أو مقشة كناس. وما علينا من الابتكار أو عدمه فى التسول فليس هذا مقصدنا وهدفنا من تلك المقالة، ولكن بالتأكيد حضرتك قد لاحظت تزايد أعداد المتسولين على مدى السنوات الماضية، وقد تصورت بنية ساذجة مثل آخرين أن هذا طبيعى، فالفقر يأكل البلد والبطالة فى تزايد، ولحضرتك ولكل من هم على شاكلتك وهم أغلب الشعب أنتم مخطئون، فالتسول فى مصر له مملكة، وزيادة أعداد المتسولين ليست بسبب زيادة الفقر ولكن لأن «مهنة التسول هى الأربح والأقل معاناة من مهن أخرى»، هذه ليست كلماتى بل كلمات إحدى المتسولات الشابات الصحيحات التى التقيتها فعرضت عليها عملا بدل بهدلة الشوارع، فضحكت وردت بهذه العبارة وزادت فقالت إن يوميتها تصل ما بين خمسمائة جنيه لثمانمائة جنيه يومياً حسب المنطقة! مهلاً لا تفتح فمك وتقرر فى عقل بالك أن تلحق بها، فالمهنة لها أصول، وإن دخل عليها الكثيرون مؤخرا بلطجة، وبالتأكيد أنك لاحظت مثلى ومثل غيرى خاصة فى المدن أن التسول صار فيه نوع من الإكراه أو التخويف للناس، فالمتسول لم يعد صاحب عين مكسورة ولا رجل مكسورة حقاً أو كده وكده، بل فتاة يافعة صحيحة قد تحمل طفلاً، عادة ما يكون مؤجرا، أو شابا قوى البنيان أو حتى شخصا متوسط العمر، ولكن لا يبدو عليه مرض على الأقل ظاهر!
رُب قارئ يقول فى عقل باله الآن تسول إيه يا ست اللى بتتكلمى عليه والبلد فى الحالة دى؟ ولمثل هذا القارئ أقول، بل لأن البلد فى هذا الحال فلابد أن نتحدث عن الفقر وأساليب المساعدة الحقيقية للفقراء والأكثر فقراً، ولا يجب أن نوجه كشعب جنيها واحدا فى غير محله، صحيح أن الحكومة عليها دور ولكن الشعب هو الذى يزيد من عدد المتسولين وبلطجتهم، وعلينا أن نواجه أنفسنا بأن البطالة حقا تزيد معدلاتها، ولكن كثيرا من أصحاب الأعمال لا يجدون عمالة بحد أدنى حتى من الخبرة أو الاستعداد للتعلم، ولكن أحياناً يكون تعلم التسول أسهل.. عمال النظافة فى مصر المحروسة التى تحتلها القمامة منتشرون فى الشوارع لا يستخدمون المقشة للنظافة ولكن للتسول!
قال رب العزة «إنما الصدقات للفقراء والمساكين»، والمتسولون محترفون وليسوا فقراء ولا مساكين، بل أحياناً مجرمون، وحين تمد يدك لهم لتريح ضميرك فأنت تشارك فى جرم وليس فى خير، والله أعلم بعباده. ولكن الله يحب المؤمن الفطن، وحين نمد أيدينا فى الغالب لهم نحن نفقد الفطنة. الحكومة وحشة كخة مش بتعمل اللى عليها صح، فهل نحن كشعب نعمل اللى علينا صح أم نستسهل الخير، وانظروا لشوارع مصر ومتسوليها الذين يزدادون كل يوم، ربما تعرفون الإجابة.