تحكى إحدى القصص الشعبية، أن رجلا، عرف بالكرم وإسداء الخير حتى وقره أهل بلدته، واشتهر بالولاية والصلاح بين الناس، حتى بلغ خيره طبقات الأرض ودرجات السماء، فظهر ملك يخبره بأن أهل السماء راضون عنه، ومكافأة على صنيعه، سيمنح له الملك وهبة، ألا وهى بركة ستحل عليه تحول كل من ينظر إلى وجهه من الشقاء إلى السعادة. صاح الرجل يؤكد للمَلَك أنه سيعلن هذا الأمر على أهل بلدته حتى يعم الخير ويتوافدون للنظر إلى وجهه، فحذره الملك من الإفصاح بهذا السر، ماذا وإلا سحبت الوهبة منه. اهتم الرجل، فهو يريد أن يتحول شقاء كل أهل بلدته، بل والبلاد المجاورة إلى سعادة، لكنه لا يستطيع البوح بسره، فتفتق ذهنه عن فكرة: ذهب إلى السوق، واشترى رقا، وقردا، وابتاع ملابس مهلهلة من أحد المتسولين، ثم ارتداها، ووقف على مدخل البلدة، حيث يخرج الناس من أهل البلدة إلى البلاد المجاورة للعمل والتجارة، ويدخل الأغراب إلى بلدته لنفس الغرض، وأخذ يطبل ويصفق ويرقّص القرد، حتى يمكن أكبر عدد من النظر إلى وجهه. ما إن فعل ذلك حتى التف الناس حوله، وعرفه بعض أهل بلدته، فأصيبوا بالارتباك والصدمة، وبات من لا يعرف الرجل، يسأل من يعرفه: من هذا؟ فيجيبه: هذا رجل صالح وقور، أصيب بلوثة وأصبح هذا حاله، فيتزايد عدد المتحلقون حوله، وكلما زاد عدد الناس، كلما أتى الرجل الصالح بحركات بهلوانية جنونية، يدور ويدور، حتى تقابل صفحة وجهه نظر كل المجتمعين حوله، بعضهم يضرب كفا بكف، والبعض الآخر يسخر منه، والبعض يعامله بابتذال، والرجل لا يأبه لكل هذه الإهانات المتوالية، كل ما يهمه أن يحول شقاء أكبر عدد من الناس إلى سعادة، حتى بلغ الأمر أنه كان يتعمد إثارة الصبية تحديدا، كى يزفونه ويركضون خلفه، وهو يلتفت وينظر إليهم حتى تمتلئ حياتهم بالسعادة.
الشاهد من القصة الشعبية أن من يريد الصالح العام، وخير الناس، ووجه الله، استوى عنده مديح الناس وهجاؤهم. كما أننا لا يمكن أن نلوم بطانة السوء على تملقها، لأنها لو لمست ممن تتملق أنه يأنف النفاق لما لجأوا لأسلوب المديح الفج، إذ إن هذه الأصناف من البشر، يتلونون، حتى إنهم من فرط نفاقهم، قد يلبسون مسوح المعارضة والنضال لأن ذلك يخدم مصالحهم.
الحقيقة أن سيادة الرئيس السيسى قد أوضح عدة مرات أنه يستاء من السباب والبذاءة، وله فى ذلك حق، لكن وجب التنويه عن قول مصرى بليغ: الشتيمة مش بتلزق. ولو أنه كما أعلن بوضوح، قولا وفعلا، أنه لا يقبل بذاءة أو إهانة، فكنت أود أن أسمع منه، أنه أيضا لا يقبل نفاقا ولا تأليها، فهو يذكرنا دوما بأنه شخص مؤمن، والمؤمن لابد له من معرفة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا لقيتم المداحين فاحثوا فى أعينهم التراب. أو كما قال، وإذا كانت الشتيمة مش بتلزق، فالنفاق بيلزق، جدا، ويغير النفوس، ويصور للإنسان صفات ليست فيه، ويورد المرء موارد التهلكة. وقد يكون المعارض السباب، قليل الأدب وعايز حش لسانه، لكن قد يحمل بين أطنان السباب هذه فكرة نيرة، أو نقدا صائبا، والساعى خلف مصلحته أمام الله والناس، يمكنه أن يقلم الحديث البذىء، كما يقلم الإنسان القصب، ويستخرج منه اللب المفيد، ويلقى بالقشر ويدوس عليه، وبذلك يعلو الإنسان على السباب، حين يطأه بقدمه، لا حين يصغر حتى يتناطح مع من يسبه.
ملحوظة: أنا ليا الجنة على كده.. إخوان وفلول بيشتمونى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة