لن تنصلح الأحوال إلا إذا تخلصنا من الجحود ونكران الجميل والكذب على التاريخ، فالرئيس الأسبق حسنى مبارك كان أحد أبطال حرب أكتوبر، وصاحب الضربة الجوية التى مهدت للعبور للعظيم، وليس من قبيل احترام الحقائق إنكار دوره والتجنى عليه وتجاهل بطولته، إنها عادة فرعونية سيئة ما زالت تمسك تلابيب الواقع المصرى، فالملك فاروق دمغناه بالفاسد وحذفوا سيرته من كتب التاريخ وسودوا صورته فى الأفلام، مع أن التدقيق فى فتره حكمه يؤكد أنه كان حاكما ديمقراطيا رائعا، وتحققت فى عهده حريات سياسية وصحفية كبيرة، لكن كالمعتاد أخرج له الناصريون والشيوعيون عفاريت البوليس السياسى والانحراف الأخلاقى والخيانة العظمى، وتفننوا فى الأفلام التى تتحدث عن التعذيب والاغتيالات والفقر والفوارق الطبقية، وصار من يكتب حرفا واحدا عن فاروق خائنا مثله، ويستحق السجن والتشريد والإقصاء.
وشرب الرئيس عبدالناصر من الكأس الذى سقاه لفاروق، وجاء السادات بعده ليمشى على خطه بأستيكة، بعد أن انحنى لتمثاله النصفى وهو يقسم اليمين الرئاسية أمام مجلس الأمة، وبنفس الأسلوب أخرجوا له حكايات مراكز القوى وزبانية التعذيب ومذابح القضاة وكمشيش والطلبة، وتفننت السينما فى تجسيد مشاهد السلخانات البشرية فى أفلام مثل «الكرنك» و«إحنا بتوع الأتوبيس»، ولا ننسى أبدا المشهد التراجيدى للرئيس السادات وهو يحرق شرائط مراكز القوى التى تحوى تسجيلات مشينة للمعارضين، وهبط علينا كاتب مرموق مثل جلال الدين الحمامصى، يتهم عبدالناصر كذبا وزيفا بأنه حصل على مائة مليون جنيه من أموال الدولة حولها لحسابه الشخصى فى بنوك سويسرا، واتتضح كذبه وتجنيه وافتراؤه، وأن ذمة عبد الناصر المالية كانت أنظف من أى شىء.
يذكر لمبارك أنه فى بداية عهده رفص تشويه سمعة زعماء مصر، وهو الذى أوقف حلقات محمد حسنين هيكل فى الأهرام، التى استهدفت الانتقام من السادات وتحقيره وتشويه صورته، خصوصا الحلقة التى تناول فيها عن أم السادات بألفاظ وعبارات لا أستطيع أن أكتبها، ومبارك أيضا هو الذى رفع شأن حكام مصر فى خطاباته، ولم ينل أى زعيم بحرف واحد من الازدراء والتشويه، وليس من الحكمة أو الأمانة التعتيم على بطولات القوات الجوية فى حرب أكتوبر، لأن مبارك كان قائدها، فالانتصار ملك لمصر وجيشها وشعبها وليس ملكا لمبارك، والضرية الجوية التى قصمت ظهر إسرائيل، كانت لنسور الجو المصريين بقيادة مبارك، والحرب والانتصار الذى تحقق فخر لنا جميعا، والتاريخ هو صاحب الحق فى تدوين قصص الملاحم والبطولات، وليس أصحاب الأهواء والميول السياسية، الذين يلعبون دور الرقيب غير النزيه نفاقا ورياءً.
كان الله فى عون المؤرخين وأساتذة التاريخ الذين يتناولون الأحداث بعد 25 يناير، فقد أصبحت الحقائق القليلة محاصرة بترسانة من الأكاذيب الكبيرة، وأصبح الانتقام والثأر والتشويه والتزييف والخداع، هى المفرادات المتداولة على الساحة السياسية.. الأكاذيب ترتدى ثياب الحقائق والحقائق تفر مزعورة خوفا من صياح الميادين والسلمية المدججة بالمولوتوف والمتفجرات وهلافيت التحاليل السياسية على الفضائيات، وفى ظل هذه الأجواء لا أستبعد أن يخرج علينا من يقول إن مبارك كان يتجسس فى حرب أكتوبر لصالح إسرائيل.