لماذا تكتظ دور العرض فى أيام العيد بالجمهور، وكأن المصريين ليس لديهم من عطلات إلا العيدين، أو كأن المصريين لا يملكون الجنيهات القليلة لتذكرة السينما إلا فى العيدين.. ظاهرة محيرة فعلاً، فنعم دور العرض فى كل العالم يزيد الإقبال عليها فى العطلات، جميع العطلات سواء أعياد أو عطلة نهاية الأسبوع أو غيرها، لكن فى مصر فقط دور العرض لا تعرف التدافع إلا فى العيدين، أما فى غيرهما من العطلات فقد تزداد نسبة المشاهدة، لكن بما لا يمكن مقارنتها بالعيدين.. ظاهرة لا أملك لها من إجابة، لكنها تسترعى النظر، خاصة إذا كنت مثلى مضطرًا لمزاحمة مشاهدى العيد فى دور العرض لأن لديك موعدًا للكتابة عن أحدث الأفلام المعروضة.
«الجزيرة 2» هو بالتأكيد الأعلى إيرادًا بين أفلام العيد، وهو أمر كان متوقعًا، حيث إن بقية الأفلام السبعة المنافسة له هى ما يمكن أن نطلق عليها أفلامًا أخف وزنًا وأقل جذبًا، فـ«الجزيرة» فى جزئه الثانى مسلح بجزء أول حاز إعجاب المشاهدين، كما أنه مسلح باسم مخرج كبير هو شريف عرفة، الغائب مؤخرًا، الحاضر بتاريخ راقٍ سينمائيًا، كما أنه مسلح باسم السقا، النجم المحبب، ثم أخيرًا وليس آخرًا «الجزيرة» مسلح بكونة لقاء الخالدين، الأخير خالد الصاوى والراحل خالد صالح، إذ نحن أمام فيلم مضمون الجذب حتى قبل أن يُعرض، فهل استطاع صناعة بالفعل أن يكونوا عند حسن الظن بالمشاهد؟
أعتقد أن الإجابة إلى حد كبير بنعم، بل يُضاف إليها كثير من العوامل التى دفعت المشاهدين لكى يصفقوا فى لحظات، كما يحدث فى سينمات الترسو، ذلك أن سيناريو الفيلم بداية انطلق من ثورة يناير كحدث تاريخى، وعلى عكس كثير من الأفلام التى استغلت هذا الحدث فى غير موقعه، فإن كُتاب «الجزيرة» لطبيعة الموضوع الذى يلقى بظلال واضحة على علاقة الداخلية بالمجرمين وغيرهم كانت أمامهم فرصة ذهبية، وقد اقتنصوها لكى يستغلوا الحدث دراميًا فى محله.
فى «الجزيرة 2» هناك أربعة أضلاع للحكاية، منصور الحفنى، الكبير القاتل، تاجر المخدرات والسلاح، وفى الوقت ذاته المتعاون السابق مع الداخلية فى مواجهة الضابط الكبير المطارد من الثورة، المتهم بقتل الشعب، رغم أنه يمثل سلطة الدولة التى تداعت بعد الثورة، ثم هناك الضلع الثالث جماعة المطاريد، وأهل تحت الأرض الذين أيضًا كانوا يتعاملون مع الدولة، ثم أتت الثورة ليخرجوا من جحورهم، ويرفعوا شعار قال الله، والحلال والحرام، وينتشروا كالجراد يأكلون الأخضر واليابس, ثم هناك الضلع الرابع والأخير، شعب الجزيرة الذى لولاه ما انتهت أسطورة المطاريد والخوارج.. صحيح أن أحد كتاب السيناريو محمد دياب قال إن هذا الفيلم ليس رأيًا فى الثورة وأقطابها، وأن الأحداث لم تنته بعد، لكن هذا سيناريو يحمل رأيًا سياسيًا فى المقام الأول، وإن تغلف بحكاية درامية مثيرة تحمل عناصر الحب والكراهية والثأر والتضحية.
سيناريو الفيلم شديد الإحكام كتبه أخوة ثلاثة، محمد وخالد وشيرين دياب، وتلقفته يد مخرج رسم صورة ملحمية للعمل بديكور فوزى العوامرى، وتصوير أيمن أبوالمكارم بظله وضوئه، وموسيقى عمر خيرت، وملابس ناهد نصر الله، وكلها تضافرت لتصنع فيلمًا شديد التميز لم يتململ فيه الجمهور للحظة رغم أنه ثلاث ساعات.
كل عناصر الفيلم، وعلى رأسها السيناريو، تحتاج لمساحة أكبر كثيرًا من مساحة مقالى، لأنها تستدعى النقاش فى شأن أكبر من شأن الدراما، فهو حكاية وطن تائه بين السلطة، والخديعة باسم الدين، ولقمة العيش.
الخالدان خالد الصاوى وخالد صالح كعادتيهما، أداء محسوب بميزان الذهب، ولو أن خالد الصاوى قد يقرأ أو يسمع تلك الكلمات، فإن خالد صالح قد انتقل إلى حيث لا تفرق كلماتى من عدمها، لكن ربما تفرق أنه فى اللحظة التى ظهر فيها على الشاشة تعالت فى الصالة دعوات له بالرحمة من الجمهور.. أحمد السقا فى دور منصور الحفنى نضج فى أدائه، وكذلك هند صبرى التى غابت عن السينما بطلتها، ولكنها عادت كبيرة، نضال الشافعى الأخ الأخرس ودور من أصعب الأدوار استطاع أن يجبرنا على الإنصات له دون كلمة نفهمها، الشاب أحمد مالك، ابن منصور الحفنى، حاز فرصة هائلة لم يضيعها فى هذا الفيلم، وأنتظر منه أكثر لو أحسن استخدام موهبته، وأحسن له من يعمل معه.
«الجزيرة» فى جزئه الأول عام 2007 كان يحكى حكاية رجل خارج على القانون، وعلاقته بالسلطة، اعتمادًا على قصة حقيقية، وها نحن فى عام 2014 يأتى الجزء الثانى ليحكى عن حكاية وطن تم تمزيقه بين السلطة والدين والبلطجة، ويبدو أن نهاية الفيلم المفتوحة تشى بجزء ثالث، فتُرى ماذا سيكون حالنا مع الجزيرة فى جزئها الثالث؟!
حنان شومان
«الجزيرة 2».. حكاية وطن تائه بين السلطة وتجارة الدين ولقمة العيش
الخميس، 09 أكتوبر 2014 10:22 م